بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) * (مريم: 31) وهو الحكمة العملية، وقال في حق محمد صلى الله عليه وسلم: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * (محمد: 19) وهو الحكمة النظرية، ثم قال: * (واستغفر لذنبك) * (غافر: 55) (محمد: 19) وهو الحكمة العملية، وقال في جميع الأنبياء * (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا) * (النحل: 2) وهو الحكمة النظرية: ثم قال: * (فاتقون) * وهو الحكمة العملية، والقرآن هو من الآية الدالة على أن كمال حال الإنسان ليس إلا في هاتين القوتين، قال أبو مسلم: الحكمة فعلة من الحكم، وهي كالنحلة من النحل، ورجل حكيم إذا كان ذا حجى ولب وإصابة رأي، وهو في هذا الموضع في معنى الفاعل ويقال: أمر حكيم، أي محكم، وهو فعيل بمعنى مفعول، قال الله تعالى: * (فيها يفرق كل أمر حكيم) * (الدخان: 4) وهذا الذي قاله أبو مسلم من اشتقاق اللغة يطابق ما ذكرناه من المعنى. المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (ومن يؤتي الحكمة) * بمعنى: ومن يؤته الله الحكمة، وهكذا قرأ الأعمش.
المسألة الثالثة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى وذلك لأن الحكمة إن فسرناها بالعلم لم تكن مفسرة بالعلوم الضرورية، لأنها حاصلة للبهائم والمجانين والأطفال، وهذه الأشياء لا توصف بأنها حكم، فهي مفسرة بالعلوم النظرية، وإن فسرناها بالأفعال الحسية فالأمر ظاهر، وعلى التقديرين فيلزم أن يكون حصول العلوم النظرية والأفعال الحسية ثابتا من غيرهم، وبتقدير مقدر غيرهم، وذلك الغير ليس إلا الله تعالى بالاتفاق، فدل على أن فعل العبد خلق لله تعالى.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من الحكمة النبوة والقرآن، أو قوة الفهم والحسية على ما هو قول الربيع بن أنس.
قلنا: الدليل الذي ذكرناه يدفع هذه الاحتمالات، وذلك لأنه بالنقل المتواتر ثبت أنه يستعمل لفظ الحكيم في غير الأنبياء، فتكون الحكمة مغايرة للنبوة والقرآن، بل هي مفسرة إما بمعرفة حقائق الأشياء، أو بالإقدام على الأفعال الحسنة الصائبة، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل، فإن حاولت المعتزلة حمل الإيتاء على التوفيق والإعانة والألطاف، قلنا: كل ما فعله من هذا الجنس في حق المؤمنين فقد فعل مثله في حق الكفار، مع أن هذا المدح العظيم المذكور في هذه الآية لا يتناولهم، فعلمنا أن الحكمة المذكورة في هذه الآية شيء آخر سوى فعل الألطاف والله أعلم.
ثم قال: * (وما يذكر إلا أولو الألباب) * والمراد به عندي والله أعلم أن الإنسان إذا رأى الحكم والمعارف حاصلة في قلبه، ثم تأمل وتدبر وعرف أنها لم تحصل إلا بإيتاء الله تعالى وتيسيره، كان