إظهار قدر المال، وربما كان ذلك سببا للضرر، بأن يطمع الظلمة في ماله، أو بكثرة حساده، وإذا كان الأفضل له إخفاء ماله لزم منه لا محالة أن يكون إخفاء الزكاة أولى والثاني: أن هذه الآية إنما نزلت في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ما كانوا متهمين في ترك الزكاة فلا جرم كان إخفاء الزكاة أولى لهم لأنه أبعد عن الرياء والسمعة أما الآن فلما حصلت التهمة كان الإظهار أولى بسبب حصول التهمة الثالث: أن لا نسلم دلالة قوله * (فهو خير) * على الترجيح وقد سبق بيانه.
أما قوله تعالى: * (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) * فالإخفاء نقيض الإظهار وقوله * (فهو) * كناية عن الإخفاء، لأن الفعل يدل على المصدر، أي الإخفاء خير لكم، وقد ذكرنا أن قوله * (خير لكم) * يحتمل أن يكون المراد منه أنه في نفسه خير من الخيرات، كما يقال: الثريد خير وأن يكون المراد منه الترجيح، وإنما شرط تعالى في كون الإخفاء أفضل أن تؤتوها الفقراء لأن عند الإخفاء الأقرب أن يعدل بالزكاة عن الفقراء، إلى الأحباب والأصدقاء الذين لا يكونون مستحقين للزكاة، ولذلك شرط في الإخفاء أن يحصل معه إيتاء الفقراء، والمقصود بعث المتصدق على أن يتحرى موضع الصدقة، فيصير عالما بالفقراء، فيميزهم عن غيرهم، فإذا تقدم منه هذا الاستظهار ثم أخفاها حصلت الفضيلة.
أما قوله تعالى: * (ويكفر عنكم من سيئاتكم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: التكفير في اللغة التغطية والستر، ورجل مكفر في السلاح مغطى فيه، ومنه يقال: كفر عن يمينه، أي ستر ذنب الحنث بما بذل من الصدقة، والكفارة ستارة لما حصل من الذنب.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر * (نكفر) * بالنون ورفع الراء وفيه وجوه أحدها: أن يكون عطفا على محل ما بعد الفاء والثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي ونحن نكفر والثالث: أنه جملة من فعل وفاعل مبتدأ بمستأنفة منقطعة عما قبلها، والقراءة الثانية قراءة حمزة ونافع والكسائي بالنون والجزم، ووجهه أن يحمل الكلام على موضع قوله * (فهو خير لكم) * فإن موضعه جزم، ألا ترى أنه لو قال: وإن تخفوها تكن أعظم لثوابكم، لجزم فيظهر أن قوله * (خير لكم) * في موضع جزم، ومثله في الحمل على موضع الجزم قراءة من قرأ * (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم) * (الأعراف: 186) بالجزم، والقراءة الثالثة قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم * (يكفر) * بالياء وكسر الفاء ورفع الراء، والمعنى: يكفر الله أو يكفر الاخفاء، وحجتهم أن ما بعده على لفظ الافراد، وهو قوله * (والله بما تعملون خبير) * فقوله * (يكفر) * يكون أشبه بما بعده، والأولون أجابوا