أما قوله تعالى: * (وانظر إلى حمارك) * فالمعنى أنه عرفه طول مدة موته بأن شاهد عظام حماره نخرة رميمة، وهذا في الحقيقة لا يدل بذاته، لأنه لما شاهد انقلاب العظام النخرة حيا في الحال علم أن القادر على ذلك قادر على أن يميت الحمار في الحال ويجعل عظامه رميمة نخرة في الحال، وحينئذ لا يمكن الاستدلال بعظام الحمار على طول مدة الموت، بل انقلاب عظام الحمار إلى الحياة معجزة دالة على صدق ما سمع من قوله * (بل لبثت مائة عام) * قال الضحاك: معنى قوله أنه لما أحيى بعد الموت كان دليلا على صحة البعث، وقال غيره: كان آية لأن الله تعالى أحياه شابا أسود الرأس، وبنو بنيه شيوخ بيض اللحى والرؤوس.
أما قوله تعالى: * (ولنجعلك آية للناس) * فقد بينا أن المراد منه التشريف والتعظيم والوعد بالدرجة العالية في الدين والدنيا، وذلك لا يليق بمن مات على الكفر والشك في قدرة الله تعالى.
فإن قيل: ما فائدة الواو في قوله * (ولنجعلك) * قلنا: قال الفراء: دخلت الواو لأنه فعل بعدها مضمر، لأنه لو قال: وانظر إلى حمارك لنجعلك آية، كان النظر إلى الحمار شرطا، وجعله آية جزاء، وهذا المعنى غير مطلوب من هذا الكلام، أما لما قال: * (ولنجعلك آية) * كان المعنى: ولنجعلك آية فعلنا ما فعلنا من الإماتة والإحياء، ومثله قوله تعالى: * (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست) * (الأنعام: 105) والمعنى: وليقولوا درست صرفنا الآيات * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) * (الأنعام: 75) أي ونريه الملكوت.
أما قوله تعالى: * (وانظر إلى العظام) * فأكثر المفسرين على أن المراد بالعظام عظام حماره، فإن اللام فيه بدل الكناية، وقال آخرون أرادوا به عظام هذا الرجل نفسه، قالوا: إنه تعالى أحيا رأسه وعينيه، وكانت بقية بدنه عظاما نخرة، فكان ينظر إلى أجزاء عظام نفسه فرآها تجتمع وينضم البعض إلى البعض، وكان يرى حماره واقفا كما ربطه حين كان حيا لم يأكل ولم يشرب مائة عام، وتقدير الكلام على هذا الوجه: وانظر إلى عظامك، وهذا قول قتادة والربيع وابن زيد، وهو عندي ضعيف لوجوه أحدها: أن قوله * (لبثت يوما أو بعض يوم) * إنما يليق بمن لا يرى أثر التغير في نفسه فيظن أنه كان نائما في بعض يوم، أما من شاهد أجزاء بدنة متفرقة، وعظام بدنة رميمة نخرة، فلا يليق به ذلك القول وثانيها: أنه تعالى حكي عنه أن خاطبه وأجاب، فيجب أن يكون المجيب هو الذي أماته الله، فإذا كانت الإماتة راجعة إلي كله، فالمجيب أيضا الذي بعثه الله يجب أن يكون جملة الشخص وثالثها: أن قوله * (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) * يدل على أن تلك الجملة أحياها وبعثها.