المسألة الثانية: قال بعض المفسرين: إن الآية المتقدمة مختصة بمن أنفق على نفسه، وهذه الآية بمن أنفق على غيره فبين تعالى أن الانفاق على الغير إنما يوجب الثواب العظيم المذكور في الآية إذا لم يتبعه بمن ولا أذى قال القفال رحمه الله: وقد يحتمل أن يكون هذا الشرط معتبرا أيضا فيمن أنفق على نفسه، وذلك هو أن ينفق على نفسه ويحضر الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ابتغاء لمرضاة الله تعالى، ولا يمن به على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ولا يؤذي أحدا من المؤمنين، مثل أن يقول: لو لم أحضر لما تم هذا الأمر، ويقول لغيره: أنت ضعيف بطال لا منفعة منك في الجهاد.
المسألة الثالثة: * (المن) * في اللغة على وجوه أحدها: بمعنى الانعام، يقال: قد من الله على فلان، إذا أنعم، أو لفلان على منة، وأنشد ابن الأنباري:
فمني علينا بالسلام فإنما * كلامك ياقوت ودر منظم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته ولا ذات يده من ابن أبي قحافة " يريد أكثر إنعاما بماله، وأيضا الله تعالى يوصف بأنه منان أي منعم.
والوجه الثاني: في التفسير * (المن) * النقص من الحق والبخس له، قال تعالى: * (وإن لك لأجرا غير ممنون) * أي غير مقطوع وغير ممنوع، ومنه سمي الموت: منونا لأنه ينقص الأعمار، ويقطع الأعذار: ومن هذا الباب المنة المذمومة، لأن ينقص النعمة، ويكدرها، والعرب يمتدحون بترك المن بالنعمة، قال قائلهم:
زاد معروفك عندي عظما * أنه عندي مستور حقير تتناساه كأن لم تأته * وهو في العالم مشهور كثير إذا عرفت هذا فنقول: المن هو إظهار الاصطناع إليهم، والأذى شكايته منهم بسبب ما أعطاهم وإنما كان المن مذموما لوجوه الأول: أن الفقير الآخذ للصدقة منكسر القلب لأجل حاجته إلى صدقة غير معترف باليد العليا للمعطي، فإذا أضاف المعطي إلى ذلك إظهار ذلك الإنعام، زاد ذلك في انكسار قلبه، فيكون في حكم المضرة بعد المنفعة، وفي حكم المسئ إليه بعد أن أحسن إليه والثاني: إظهار المن يبعد أهل الحاجة عن الرغبة في صدقته إذا اشتهر من طريقه ذلك الثالث: أن المعطي يجب أن يعتقد أن هذه النعمة من الله تعالى عليه، وأن يعتقد أن لله عليه نعما عظيمة حيث وفقه لهذا العمل، وأن يخاف أنه هل قرن بهذا الانعام ما يخرجه عن قبول الله إياه، ومتى كان الأمر كذلك امتنع أن يجعله منة على الغير الرابع: وهو السر الأصلي أنه إن علم أن ذلك