المسألة الثالثة: اختلفوا في تلك القرية فقال وهب وقتادة وعكرمة والربيع: إيلياء وهي بيت المقدس، وقال ابن زيد: هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت.
أما قوله تعالى: * (وهي خاوية على عروشها) * قال الأصمعي: خوى البيت فهو يخوي خواء ممدود إذا ما خلا من أهله، والخوا: خلو البطن من الطعام، وفي الحديث: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوى " أي خلى ما بين عضديه وجنبيه، وبطنه وفخذيه، وخوى الفرس ما بين قوائمه، ثم يقال للبيت إذا انهدم: خوى لأنه بتهدمه يخلو من أهله، وكذلك: خوت النجوم وأخوت إذا سقطت ولم تمطر لأنها خلت عن المطر، والعرش سقف البيت، والعروش الأبنية، والسقوف من الخشب يقال: عرش الرجل يعرش ويعرش إذا بني وسقف بخشب، فقوله: * (وهي خاوية على عروشها) * أي منهدمة ساقطة خراب، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه وجوه أحدها: أن حيطانها كانت قائمة وقد تهدمت سقوفها، ثم انقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السقوف المنهدمة، ومعنى الخاوية المنقلعة وهي المنقلعة من أصولها يدل عليه قوله تعالى: * (أعجاز نخل خاوية) * (الحاقة: 7) وموضع آخر * (أعجاز نخل منعقر) * (القمر: 20) وهذه الصفة في خراب المنازل من أحسن ما يوصف به والثاني: قوله تعالى: * (خاوية على عروشها) * أي خاوية عن عروشها، جعل * (على) * بمعنى * (عن) * كقوله * (إذا اكتالوا على الناس) * (المطففين: 2) أي عنهم والثالث: أن المراد أن القرية خاوية مع كون أشجارها معروشة فكان التعجب من ذلك أكثر، لأن الغالب من القرية الخالية الخاوية أن يبطل ما فيها من عروش الفاكهة، فلما خربت القرية مع بقاء عروشها كان التعجب أكثر. أما قوله تعالى: * (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها) * فقد ذكرنا أن من قال: المار كان كافرا حمله على الشك في قدرة الله تعالى، ومن قال كان نبيا حمله على الاستبعاد بحسب مجاري العرف والعادة أو كان المقصود منه طلب زيادة الدلائل لأجل التأكيد، كما قال إبراهيم عليه السلام: (أرني كيف تحيي الموتى) وقوله * (أنى) * أي من أين كقوله * (أنى لك هذا) * والمراد بإحياء هذه القرية عمارتها، أي متى يفعل الله تعالى ذلك، على معنى أنه لا يفعله فأحب الله أن يريه في نفسه، وفي إحياء القرية آية * (فأماته الله مائة عام) * وقد ذكرنا القصة.
فإن قيل: ما الفائدة في إماتة الله له مائة عام، مع أن الاستدلال بالإحياء يوم أو بعد بعض يوم حاصل.
قلنا: لأن الإحياء بعد تراخي المدة أبعد في العقول من الإحياء بعد قرب المدة، وأيضا فلأن بعد تراخي المدة ما يشاهد منه، ويشاهد هو من غيره أعجب.