* (بل لبثت مائة عام) * ومما يؤكد أن قائل هذا القول هو الله تعالى قوله * (ولنجعلك آية للناس) * ومن المعلوم أن القادر على جعله آية للناس هو الله تعالى، ثم قال: * (وانظر إلى العظام كيف ننشرها، ثم نكسوها لحما) * ولا شك أن قائل هذا القول هو الله تعالى؛ فثبت أن هذه الآية دالة من هذه الوجوه الكثيرة على أنه تكلم معه، ومعلوم أن هذا لا يليق بحال هذا الكافر.
فإن قيل: لعله تعالى بعث إليه رسولا أو ملكا حتى قال له هذا القول عن الله تعالى.
قلنا: ظاهر هذا الكلام يدل على أن قائل هذه الأقوال معه هو الله تعالى، فصرف اللفظ عن هذا الظاهر إلى المجاز من غير دليل يوجبه غير جائز.
والحجة الثالثة: أن إعادته حيا وإبقاء الطعام والشراب على حالهما، وإعادة الحمار حيا بعد ما صار رميما مع كونه مشاهدا لإعادة أجزاء الحمار إلى التركيب وإلى الحياة إكرام عظيم وتشريف كريم، وذلك لا يليق بحال الكافر له.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إن كل هذه الأشياء إنما أدخلها الله تعالى في الوجود إكراما لإنسان آخر كان نبيا في ذلك الزمان.
قلنا: لم يجر في هذه الآية ذكر هذا النبي، وليس في هذه القصة حالة مشعرة بوجود النبي أصلا فلو كان المقصود من إظهار هذه الأشياء إكرام ذلك النبي وتأييد رسالته بالمعجزة لكان ترك ذكر ذلك الرسول إهمالا لما هو الغرض الأصلي من الكلام وأنه لا يجوز.
فإن قيل: لو كان ذلك الشخص لكان إما أن يقال: إنه ادعى النبوة من قبل الإماتة والإحياء أو بعدهما، والأول: باطل، لأن أرسال النبي من قبل الله يكون لمصلحة تعود على الأمة، وذلك لا يتم بعد الإماتة، وإن ادعى النبوة بعد الإحياء فالمعجز قد تقدم على الدعوى، وذلك غير جائز.
قلنا: إظهار خوارق العادات على يد من يعلم الله أنه سيصير رسولا جائز عندنا، وعلى هذا الطريق زال السؤال.
الحجة الرابعة: أنه تعالى قال في حق هذا الشخص * (ولنجعلك آية للناس) * وهذا اللفظ إنما يستعمل في حق الأنبياء والرسل قال تعالى: * (وجعلناها وابنها آية للعالمين) * (الأنبياء: 91) فكان هذا وعدا من الله تعالى بأنه يجعله نبيا، وأيضا فهذا الكلام لم يدل على النبوة بصريحه فلا شك أنه يفيد التشريف العظيم، وذلك لا يليق بحال من مات على الكفر وعلى الشك في قدرة الله تعالى.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من جعله آية أن من عرفه من الناس شابا كاملا إذا شاهدوه بعد مائة سنة على شبابه وقد شاخوا أو هرموا، أو سمعوا بالخبر أنه كان مات منذ زمان