الأول ففيه وجهان الأول: أنه راجع إلى قوله تعالى: * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * وذلك لأن البيع بالدين قد يكون إلى أجل قريب، وقد يكون إلى أجل بعيد، فلما أمر بالكتبة عند المداينة، استثنى عنها ما إذا كان الأجل قريبا، والتقدير: إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه إلا أن يكون الأجل قريبا، وهو المراد من التجارة الحاضرة والثاني: أن هذا استثناء من قوله * (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا) * وأما الاحتمال الثاني، وهو أن يكون هذا استثناء منقطعا فالتقدير: لكنه إذا كانت التجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها، فهذا يكون كلاما مستأنفا، وإنما رخص تعالى في ترك الكتبة والإشهاد في هذا النوع من التجارة، لكثرة ما يجري بين الناس، فلو تكلف فيها الكتبة والإشهاد لشق الأمر على الخلق، ولأنه إذا أخذ كل واحد من المتعاملين حقه من صاحبه في ذلك المجلس، لم يكن هناك خوف التجاحد، فلم يكن هناك حاجة إلى الكتبة والإشهاد.
المسألة الثانية: قوله * (أن تكون) * فيه قولان أحدهما: أنه من الكون بمعنى الحدوث والوقوع كما ذكرناه في قوله * (وإن كان ذو عسرة) * والثاني: قال الفراء: إن شئت جعلت * (كان) * ههنا ناقصة على أن الاسم تجارة حاضرة، والخبر تديرونها، والتقدير: إلا أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم.
المسألة الثالثة: قرأ عاصم * (تجارة) * بالنصب، والباقون بالرفع، أما القراءة بالنصب فعلى أنه خبر كان، ولا بد فيه من إضمار الاسم، وفيه وجوه أحدها: التقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة كتبة الكتاب، ومنه قول الشاعر:
بني أسد هل تعلمون بلاءنا إذا كان يوما ذا كواكب أشهبا أي إذا كان اليوم وثانيها: أن يكون التقدير: إلا أن يكون الأمر والشأن تجارة وثالثها: قال الزجاج: التقدير إلا أن تكون المداينة تجارة حاضر، قال أبو علي الفارسي: هذا غير جائز لأن المداينة لا تكون تجارة حاضرة، ويمكن أن يجاب عنه بأن المداين إذا كانت إلى أجل ساعة، صح تسميتها بالتجارة الحاضرة، فإن من باع ثوبا بدرهم في الذمة بشرط أن تؤدي الدرهم في هذه الساعة كان ذلك مداينة وتجارة حاضرة، وأما القراءة بالرفع، فالوجه فيها ما ذكرناه في المسألة الثانية والله أعلم.
المسألة الرابعة: التجارة عبارة عن التصرف في المال سواء كان حاضرا أو في الذمة لطلب الربح، يقال: تجر الرجل يتجر تجارة فهو تاجر، واعلم أنه سواء كانت المبايعة بدين أو بعين،