فإن قيل: المؤاخذة كيف تحصل في الدنيا مع قوله تعالى: * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) * (غافر: 17).
قلنا: هذا خاص فيكون مقدما على ذلك العام.
الوجه الرابع في الجواب: أنه تعالى قال: * (يحاسبكم به الله) * ولم يقل: يؤاخذكم به الله وقد ذكرنا في معنى كونه حسيبا ومحاسبا وجوها كثيرة، وذكرنا أن من جملة تفاسيره كونه تعالى عالما بها، فرجع معنى هذه الآية إلى كونه تعالى عالما بكل ما في الضمائر والسرائر، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن الله تعالى إذا جمع الخلائق يخبرهم بما كان في نفوسهم، فالمؤمن يخبره ثم يعفو عنه، وأهل الذنوب يخبرهم بما أخفوا من التكذيب والذنب.
الوجه السابع في الجواب: أنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله * (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) * فيكون الغفران نصيبا لمن كان كارها لورود تلك الخواطر، والعذاب يكون نصيبا لمن يكون مصرا على تلك الخواطر مستحسنا لها.
الوجه السادس: قال بعضهم: المراد بهذه الآية كتمان الشهادة، وهو ضعيف، لأن اللفظ عام، وإن كان واراه عقيب تلك القضية لا يلزم قصره عليه.
الوجه السابع في الجواب: ما روينا عن بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة بقوله * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (القرة: 286) وهذا أيضا ضعيف لوجوه أحدها: أن هذا النسخ إنما يصح لو قلنا: أنهم كانوا قبل هذا النسخ مأمورين بالاحتراز عن تلك الخواطر التي كانوا عاجزين عن دفعها، وذلك باطل، لأن التكليف قط ما ورد إلا بما في القدرة، ولذلك قال عليه السلام: " بعثت بالحنيفية السهلة السمحة " والثاني: أن النسخ إنما يحتاج إليه لو دلت الآية على حصول العقاب على تلك الخواطر، وقد بينا أن الآية لا تدل على ذلك والثالث: أن نسخ الخبر لا يجوز إنما الجائز هو نسخ الأوامر والنواهي.
واعلم أن الناس اختلافا في أن الخبر هل ينسخ أم لا؟ وقد ذكرنا في أصول الفقه والله أعلم.
ثم قال: * (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الأصحاب قد احتجوا بهذه الآية على جواز غفران ذنوب أصحاب الكبائر وذلك لأن المؤمن المطيع مقطوع بأنه يثاب ولا يعاقب، والكافر مقطوع بأنه يعاقب ولا يثاب، وقوله * (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) * رفع للقطع واحد من الأمرين، فلم يبق إلا أن يكون ذلك نصيبا للمؤمن يرثه المذنب بأعماله.
المسألة الثانية: قرأ عاصم وابن عامر * (فيغفر، يعذب) * برفع الراء والباء، وأما الباقون