متلوا يسمه الغير ويعرفه ويمكنه أن يؤمن به، وقد يكون وحيا لا يعلمه سواه، فيكون هو صلى الله عليه وسلم مختصا بالإيمان به، ولا يتمكن غيره من الإيمان به، فلهذا السبب كان الرسول مختصا في باب الإيمان بما لا يمكن حصوله في غيره.
ثم قال الله تعالى: * (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إعلم أن هذه الآية دلت على أن معرفة هذه المراتب الأربعة من ضرورات الإيمان.
فالمرتبة الأولى: هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وذلك لأنه ما لم يثبت أن للعالم صانعا قادرا على جميع المقدورات، عالما بجميع المعلومات، غنيا عن كل الحاجات، لا يمكن معرفة صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكانت معرفة الله تعالى هي الأصل، فلذلك قدم الله تعالى هذه المرتبة في الذكر.
والمرتبة الثانية: أنه سبحانه وتعالى إنما يوحي إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بواسطة الملائكة، فقال: * (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده) * (النحل: 2) وقال: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) * (الشورى: 51) وقال: * (فإنه نزله على قلبك) * (البقرة: 97) وقال: * (نزل به الروح الأمين، على قلبك) * (الشعراء: 193، 194) وقال: * (علمه شديد القوى) * (النجم: 5) فإذا ثبت أن وحي الله تعالى إنما يصل إلى البشر بواسطة الملائك فالملائكة يكونون كالواسطة بين الله تعالى وبين البشر، فلهذا السبب جعل ذكر الملائكة في المرتبة الثانية، ولهذا السر قال أيضا: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) * (آل عمران: 18).
والمرتبة الثالثة: الكتب، وهو الوحي الذي يتلقفه الملك من الله تعالى ويوصله إلى البشر وذلك في ضرب المثال يجري مجرى استنارة سطح القمر من نور الشمس فذات الملك كالقمر وذات الوحي كاستنارة القمر فكما أن ذات القمر مقدمة في الرتبة على استنارته فكذلك ذات الملك متقدم على حصول ذلك الوحي المعبر عنه بهذه الكتب، فلهذا السبب كانت الكتب متأخرة في الرتبة عن الملائكة، فلا جرم أخر الله تعالى ذكر الكتب عن ذكر الملائكة.
والمرتبة الرابعة: الرسل، وهم الذين يقتبسون أنوار الوحي من الملائكة، فيكونون متأخرين في الدرجة عن الكتب فلهذا السبب جعل الله تعالى ذكر الرسل في المرتبة الرابعة، واعلم أن ترتيب هذه المراتب الأربعة على هذا الوجه أسرار غامضة، وحكما عظيمة لا يحسن إيداعها في الكتب والقدر الذي ذكرناه كاف في التشريف.