بالعدل) * فإن هذا يدل على أن المقصود حصول هذه الكتبة من أي شخص كان.
أما قوله * (بالعدل) * ففيه وجوه الأول: أن يكتب بحيث لا يزيد في الدين ولا ينقص منه، ويكتبه بحيث يصلح أن يكون حجة له عند الحاجة إليه الثاني: إذا كان فقيها وجب أن يكتب بحيث لا يخص أحدهما بالاحتياط دون الآخر، بل لا بد وأن يكتبه بحيث يكون كل واحد من الخصمين آمنا من تمكن الآخر من إبطال حقه الثالث: قال بعض الفقهاء: العدل أن يكون ما يكتبه متفقا عليه بين أهل العلم ولا يكون بحيث يجد قاض من قضاة المسلمين سبيلا إلى إبطاله على مذهب بعض المجتهدين الرابع: أن يحترز عن الألفاظ المجملة التي يقع النزاع في المراد بها، وهذه الأمور التي ذكرناها لا يمكن رعايتها إلا إذا كان الكاتب فقيها عارفا بمذاهب المجتهدين، وأن يكون أديبا مميزا بين الألفاظ المتشابهة، ثم قال: * (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ظاهر هذا الكلام نهى لكل من كان كاتبا عن الامتناع عن الكتبة، وإيجاب الكتبة على كل من كان كاتبا، وفيه وجوه الأول: أن هذا على سبيل الارشاد إلى الأولى لا على سبيل الإيجاب، والمعنى أن الله تعالى لما علمه الكتبة، وشرفه بمعرفة الأحكام الشرعية، فالأولى أن يكتب تحصيلا لمهم أخيه المسلم شكرا لتلك النعمة، وهو كقوله تعالى: * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * (القصص: 77) فإنه ينتفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها.
والقول الثاني: وهو قول الشعبي: أنه فرض كفاية، فإن لم يجد أحدا يكتب إلا ذلك الواحد وجب الكتبة عليه، فإن وجد أقواما كان الواجب على واحد منهم أن يكتب.
والقول الثالث: أن هذا كان واجبا على الكاتب، ثم نسخ بقوله تعالى: * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) *.
والقول الرابع: أن متعلق الإيجاب هو أن يكتب كما علمه الله، يعني أن بتقدير أن يكتب فالواجب أن يكتب على ما علمه الله، وأن لا يخل بشرط من الشرائط، ولا يدرج فيه قيدا يخل بمقصود الإنسان، وذلك لأنه لو كتبه من غير مراعاة هذه الشروط اختل مقصود الإنسان، وضاع ماله، فكأنه قيل له: إن كنت تكتب فاكتبه عن العدل، واعتبار كل الشرائط التي اعتبرها الله تعالى.
المسألة الثانية: قوله * (كما علمه الله) * فيه احتمالان الأول: أن يكون متعلقا بما قبله، ولا يأب كاتب عن الكتابة التي علمه الله إياها، ولا ينبغي أن يكتب غير الكتابة التي علمه الله إياها ثم قال بعد ذلك: فليكتب تلك الكتابة التي علمه الله إياها.