فأولها قوله: * (يعجبك قوله في الحياة الدنيا) * وهذا لا دلالة فيه على صفة مذمومة إلا من جهة الإيماء الحاصل بقوله: * (في الحياة الدنيا) * لأن الإنسان إذا قيل: إنه حلو الكلام فيما يتعلق بالدنيا أوهم نوعا من المذمة وثانيها: قوله: * (ويشهد الله على ما في قلبه) * وهذا لا دلالة فيه على حالة منكرة، فإن أضمرنا فيه أن يشهد الله على ما في قلبه مع أن قلبه بخلاف ذلك فالكلام مع هذا الإضمار لا يدل على النفاق، لأنه ليس في الآية أن الذي يظهره للرسول من أمر الإسلام والتوحيد، فإنه يضمر خلافه حتى يلزم أن يكون منافقا، بل لعل المراد أنه يضمر الفساد ويظهر ضده حتى يكون مرائيا وثالثها: قوله: * (وهو ألد الخصام) * وهذا أيضا لا يوجب النفاق ورابعها: قوله: * (وإذ تولى سعى في الأرض ليفسد فيها) * والمسلم الذي يكون مفسدا قد يكون كذلك وخامسها: قوله: * (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) * فهذا أيضا لا يقتضي النفاق، فعلمنا أن كل هذه الصفات المذكورة في الآية كما يمكن ثبوتها في المنافق يمكن ثبوتها في المرائي، فإذن ليس في الآية دلالة على أن هذا المذكور يجب أن يكون منافقا إلا أن المنافق داخل في الآية، وذلك لأن كل منافق فإنه يكون موصوفا بهذه الصفات الخمسة بل قد يكون الموصوف بهذه الصفات الخمسة غير منافق فثبت أنا متى حملنا الآية على الموصوف بهذه الصفات الخمسة دخل فيها المنافق والمرائي، وإذا عرفت هذه الجملة فنقول: الله تعالى وصف هذا المذكور بصفات خمسة.
الصفة الأولى: قوله: * (يعجبك قوله في الحياة الدنيا) * والمعنى: يروقك ويعظم في قلبك ومنه الشئ العجيب الذي يعظم في النفس.
أما في قوله: * (في الحياة الدنيا) * ففيه وجوه أحدهما: أنه نظير قول القائل: يعجبني كلام فلان في هذه المسألة والمعنى: يعجبك قوله وكلامه عندما يتكلم لطلب مصالح الدنيا والثاني: أن يكون التقدير: يعجبك قوله وكلامه في الحياة الدنيا وإن كان لا يعجبك قوله وكلامه في الآخرة لأنه ما دام في الدنيا يكون جرئ اللسان حلو الكلام، وأما في الآخرة فإنه تعتريه اللكنة والإحتباس خوفا من هيبة الله وقهر كبريائه.
الصفة الثانية: قوله: * (ويشهد الله على ما في قلبه) * فالمعنى أنه يقرر صدقة في كلامه ودعواه بالاستشهاد بالله، ثم يحتمل أن يكون ذلك الاستشهاد بالحلف واليمين، ويحتمل أن يكون ذلك بأن يقول: الله يشهد بأن الأمر كما قلت، فهذا يكون استشهادا بالله ولا يكون يمينا، وعامة القراء يقرؤن * (ويشهد الله) * بضم الياء، أي هذا القائل يشهد الله على ما في ضميره، وقرأ ابن محيصن * (يشهد الله على ما في قلبه) * بفتح الياء، والمعنى: أن الله يعلم من قلبه خلاف ما أظهره.