قالا يا رسول الله: ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلئ ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا، لا يكون على حالة واحدة كالشمس، فنزلت هذه الآية ويروى أيضا عن معاذ أن اليهود سألت عن الأهلة.
واعلم أن قوله تعالى: * (يسألونك عن الأهلة) * ليس فيه بيان إنهم عن أي شئ سألوا لكن الجواب كالدال على موضع السؤال، لأن قوله: * (قل هي مواقيت للناس والحج) * يدل على أن سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغير حال الأهلة في النقصان والزيادة، فصار القرآن والخبر متطابقين في أن السؤال كان عن هذا المعنى.
المسألة الثالثة: الأهلة جمع هلال وهو أول حال القمر حين يراه الناس، يقال له: هلال ليلتين من أول الشهر ثم يكون قمرا بعد ذلك، وقال أبو الهيثم: يسمى القمر ليلتين من أول الشهر هلالا، وكذلك ليلتين من آخر الشهر، ثم يسمي ما بين ذلك قمرا، قال الزجاج: فعال يجمع في أقل العدد على أفعلة، نحو مثال وأمثلة، وحمار وأحمرة، وفي أكثر العدد يجمع على فعل مثل حمر لأنهم كرهوا في التضعيف فعل، نحو هلل وخلل، فاقتصروا على جمع أدنى العدد.
أما قوله تعالى: * (قل هي مواقيت للناس والحج) * مسألتان:
المسألة الأولى: المواقيت جمع الميقات بمعنى الوقت كالميعاد بمعنى الوعد، وقال بعضهم الميقات منتهى الوقت، قال الله تعالى: * (فتم ميقات ربه) * (الأعراف: 142) والهلال ميقات الشهر، ومواضع الإحرام مواقيت الحج لأنها مواضع ينتهي إليها، ولا تصرف مواقيت لأنها غاية الجموع، فصار كأن الجمع يكرر فيها فإن قيل: لم صرفت قوارير؟ قيل: لأنها فاصلة وقعت في رأس آية، فنون ليجري على طريقة الآيات، كما تنون القوافي، مثل قوله: أقل اللوم عاذل والعتابن (c) المسألة الثانية: اعلم أنه سبحانه وتعالى جعل الزمان مقدرا من أربعة أوجه: السنة والشهر واليوم والساعة، أما السنة فهي عبارة عن الزمان الحاصل من حركة الشمس من نقطة معينة من الفلك بحركتها الحاصلة عن خلاف حركة الفلك إلى أن تعود إلى تلك النقطة بعينها، إلا أن القوم اصطلحوا على أن تلك النقطة نقطة الإعتدال الربيعي وهو أول الحمل، وأما الشهر فهو عبارة عن حركة القمر من نقطة معينة من فلكه الخاص به إلى أن يعود إلى تلك النقطة، ولما كان أشهر أحوال القمر وضعه مع الشمس، وأشهر أوضاعه من الشمس هو الهلال العربي، مع أن القمر في هذا الوقت يشبه الموجود بعد العدم والمولود الخارج من الظلم لا جرم جعلوا هذا الوقت