على الصائم بعد الصبح، فبقي ما عداها على الحل الأصلي، فلا يكون شئ منها مفطرا والفقهاء قالوا إن الله تعالى خص هذه الأشياء الثلاثة بالذكر لأن النفس تميل إليها، وأما القئ والحقنة فالنفس تكرههما، والسعوط نادر فلهذا لم يذكرها.
المسألة الثالثة: مذهب أبي هريرة والحسن بن صالح بن جني أن الجنب إذا أصبح قبل الاغتسال لم يكن له صوم، وهذه الآية تدل على بطلان قولهم لأن المباشرة إذا كانت مباحة إلى انفجار الصبح لم يمكنه الاغتسال إلا بعد انفجار الصبح.
المسألة الرابعة: زعم الأعمش أنه يحل الأكل والشرب والجماع بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس قياسا لأول النهار على آخره، فكما أن آخره بغروب القرص، وجب أن يكون أوله بطلوع القرص، وقال في الآية أن المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود النهار والليل، ووجه الشبهة ليس إلا في البياض والسواد، فإما أن يكون التشبيه في الشكل مرادا فهذا غير جائز لأن ظلمة الأفق حال طلوع الصبح لا يمكن تشبيهها بالخيط الأسود في الشكل البتة، فثبت أن المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود هو النهار والليل ثم لما بحثنا عن حقيقة الليل في قوله: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * وجدناها عبارة عن زمان غيبة الشمس بدليل أن الله تعالى سمى ما بعد المغرب ليلا مع بقاء الضوء فيه فثبت أن يكون الأمر في الطرف الأول من النهار كذلك، فيكون قبل طلوع الشمس ليلا، وأن لا يوجد النهار إلا عند طلوع القرص، فهذا تقرير قول الأعمش، ومن الناس من سلم أن أول النهار إنما يكون من طلوع الصبح فقاس عليه آخر النهار، ومنهم من قال: لا يجوز الإفطار إلا بعد غروب الحمرة، ومنهم من زاد عليه وقال: بل لا يجوز الإفطار إلا عند طلوع الكواكب، وهذه المذاهب قد انقرضت، والفقهاء أجمعوا على بطلانها فلا فائدة في استقصاء الكلام فيها. المسألة الخامسة: * (الفجر) * مصدر قولك: فجرت الماء أفجره فجرا، وفجرته تفجيرا. قال الأزهري: الفجر أصله الشق، فعل هذا الفجر في آخر الليل هو انشقاق ظلمة الليل بنور الصبح، وأما قوله تعالى: * (من الفجر) * فقيل للتبعيض لأن المعتبر بعض الفجر لا كله، وقيل للتبيين كأنه قيل: الخيط الأبيض الذي هو الفجر.
المسألة السادسة: أن الله تعالى لما أحل الجماع والأكل والشرب إلى غاية تبين الصبح، وجب أن يعرف أن تبين الصبح ما هو؟ فنقول: الطريق إلى معرفة تبين الصبح إما أن يكون قطعيا أو ظنيا، أما القطعي فبأن يرى طلوع الصبح أو يتيقن أنه مضى من الزمان ما يجب طلوع الصبح عنده وأما الظني فنقول: إما أن يحصل ظن أن الصبح طلع فيحرم الأكل والشرب والوقاع