المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون) * الجواب الثاني: قوله تعالى: * (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) * (البقرة: 15) قال صاحب الكشاف إنه من مد الجيش وأمده إذا زاده وألحق به ما يقويه ويكثره، وكذلك مد الدواة وأمدها زادها ما يصلحها؛ ومددت السراج والأرض إذا أصلحتهما بالزيت والسماد، ومده الشيطان في الغي، وأمده إذا واصله بالوسواس، ومد وأمد بمعنى واحد.
وقال بعضهم: مد يستعمل في الشر، وأمد في الخير قال تعالى: * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) * (المؤمنين: 55) ومن الناس من زعم أنه من المد في العمر والإملاء والإمهال وهذا خطأ لوجهين: الأول: أن قراءة ابن كثير، وابن محيصن (ونمدهم) وقراءة نافع (وإخوانهم يمدونهم في الغي) يدل على أنه من المدد دون المد. الثاني: أن الذي بمعنى أمهله إنما هو مد له، كأملي له. قالت المعتزلة: هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجوه: أحدها: قوله تعالى: * (وإخوانهم يمدونهم في الغي) * أضاف ذلك الغي إلى إخوانهم، فكيف يكون مضافا إلى الله تعالى.
وثانيها: أن الله تعالى ذمهم على هذا الطغيان فلو كان فعلا لله تعالى فكيف يذمهم عليه.
وثالثها: لو كان فعلا لله تعالى لبطلت النبوة وبطل القرآن فكان الاشتغال بتفسيره عبثا.
ورابعها: أنه تعالى أضاف الطغيان إليهم بقوله: " في طغيانهم " ولو كان ذلك من الله لما أضافه إليهم، فظهر أنه تعالى إنما أضافه إليهم ليعرف أنه تعالى غير خالق لذلك، ومصداقه أنه حين أسند المد إلى الشياطين أطلق الغي ولم يقيده بالإضافة في قوله: * (وإخوانهم يمدونهم في الغي) * (الأعراف: 202) إذا ثبت هذا فنقول: التأويل من وجوه: أحدها: وهو تأويل الكعبي وأبي مسلم بن يحيى الأصفهاني أن الله تعالى لما منحهم ألطافه التي يمنحها المؤمنين وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم عليه بقيت قلوبهم مظلمة بتزايد الظلمة فيها وتزايد النور في قلوب المسلمين فسمي ذلك التزايد مددا وأسنده إلى الله تعالى لأنه مسبب عن فعله بهم. وثانيها: أن يحمل على منع القسر والإلجاء كما قيل: إن السفيه إذا لم ينه فهو مأمور. وثالثها: أن يسند فعل الشيطان إلى الله تعالى لأنه بتمكينه وإقداره والتخلية بينه وبين إغواء عباده. ورابعا: ما قاله الجبائي فإنه قال ويمدهم أي يمد عمرهم ثم إنهم مع ذلك في طغيانهم يعمهون وهذا ضعيف من وجهين: الأول: لما تبينا أنه لا يجوز في اللغة تفسير ويمدهم بالمد في العمر. الثاني: هب أنه يصح ذلك ولكنه يفيد أنه تعالى يمد عمرهم لغرض أن يكونوا في طغيانهم يعمهون وذلك يفيد الإشكال أجاب القاضي عن ذلك بأنه ليس المراد أنه تعالى يمد عمرهم لغرض أن يكونوا في الطغيان، بل المراد، أنه تعالى يبقيهم ويلطف بهم في الطاعة فيأبون إلا أن يعمهوا. واعلم أن الكلام في هذا الباب تقدم في قوله: * (ختم الله على قلوبهم) * فلا فائدة في الإعادة. واعلم أن الطغيان هو الغلو في الكفر ومجاوزة الحد في العتو، قال تعالى: * (إنا لما طغا الماء) * (الحاقة: 11) أي جاوز قدره، وقال: * (إذهب إلى فرعون إنه طغى) * (طه: 24) أي أسرف وتجاوز الحد. وقرأ زيد بن علي في طغيانهم بالكسر وهما لغتان كلقيان ولقيان، والعمه مثل العمى إلا أن العمى عام في البصر والرأي والعمه في الرأي خاصة، وهو التردد والتحير لا يدري أين يتوجه.