من لوازم ذلك التصيير، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم مجاز مشهور وأنه مستعمل أيضا لأن الرجل إذا قال لآخر: فلان ضال جاز أن يقال له لم جعلته ضالا ويكون المعنى لم سميته بذلك ولم حكمت به عليه فعلى هذا الوجه حملوا الإضلال على الحكم والتسمية. وثالثها: أن يكون الإضلال هو التخلية وترك المنع بالقهر والجبر، فيقال أضله إذا خلاه وضلاله قالوا ومن مجازه قولهم: أفسد فلان ابنه وأهلكه ودمر عليه إذا لم يتعهده بالتأديب، ومثله قول العرجي:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسداد ثغر ويقال لمن ترك سيفه في الأرض الندية حتى فسد وصدئ: أفسدت سيفك وأصدأته. ورابعها: الضلال والإضلال هو العذاب والتعذيب بدليل قوله تعالى: * (إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر) * (القمر: 47، 48) فوصفهم الله تعالى بأنهم يوم القيامة في ضلال وذلك لا يكون إلا عذابهم وقال تعالى: * (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين) * (غافر: 71 - 74) فسر ذلك الضلال بالعذاب. وخامسها: أن يحمل الإضلال على الإهلاك والإبطال كقوله: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) * (محمد: 1) قيل أبطلها وأهلكها ومن مجازه قولهم: ضل الماء في اللبن إذا صار مستهلكا فيه ويقال أضللته أنا إذا فعلت ذلك به فأهلكته وصيرته كالمعدوم ومنه يقال أضل القوم ميتهم إذا واروه في قبره فأخفوه حتى صار لا يرى، قال النابغة:
وآب مضلوه بعين جلية * وغودر بالجولان حزم ونائل وقال تعالى: * (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد) * (السجدة: 10) أي أئذا اندفنا فيها فخفيت أشخاصنا فيحتمل على هذا المعنى يضل الله إنسانا أي يهلكه ويعدمه فتجوز إضافة الإضلال إليه تعالى على هذا الوجه، فهذه الوجوه الخمسة إذا حملنا الإضلال على الإضلال عن الدين. وسادسها: أن يحمل الإضلال على الإضلال عن الجنة، قالت المعتزلة: وهذا في الحقيقة ليس تأويلا بل حملا للفظ على ظاهره فإن الآية تدل على أنه تعالى يضلهم وليس فيها دلالة على أنه عما ذا يضلهم، فنحن نحملها على أنه تعالى يضلهم عن طريق الجنة ثم حملوا كل ما في القرآن من هذا الجنس على هذا المحمل وهو اختيار الجبائي قال تعالى: * (كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) * أي يضله عن الجنة وثوابها. هذا كله إذا حملنا الهمزة في الإضلال على التعدية. وسابعها: أن نحمل الهمزة لا على التعدية بل على الوجدان على ما تقدم في أول هذه المسألة بيانه فيقال أضل فلان بعيره أي ضل عنه فمعنى إضلال الله تعالى لهم أنه تعالى وجدهم ضالين. وثامنها: أن يكون قوله تعالى: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * من تمام قول الكفار فإنهم قالوا ماذا أراد الله بهذا المثل الذي لا يظهر وجه الفائدة فيه ثم قالوا: يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وذكروه على