الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخر ويضل الله الظالمين) * (إبراهيم: 27)، * (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين) * (آل عمران: 86) فأخبر أنه لا يهديهم وأنهم قد جاءهم البينات، فهذا الهدى غير البيان لا محالة، وقال تعالى: * (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) * (التغابن: 11) أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) * (المجادلة: 22). ورابعها: الهدى إلى طريق الجنة قال تعالى: * (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما) * (النساء: 175) وقال: * (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) * (المائدة: 15، 16) وقال: * (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة) * (محمد: 4 - 6) والهداية بعد القتل لا تكون إلا إلى الجنة، وقال تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار) * (يونس: 90) وهذا تأويل الجبائي، وخامسها: الهدى بمعنى التقديم يقال هدى فلان فلانا أي قدمه أمامه، وأصل هدى من هداية الطريق؛ لأن الدليل يتقدم المدلول، وتقول العرب أقبلت هوادي الخيل. أي متقدماتها ويقال للعنق هادي وهوادي الخيل أعناقها لأنها تتقدمها، وسادسها: يهدي أي يحكم بأن المؤمن مهتد وتسميته بذلك لأن حقيقة قول القائل هداه جعله مهتديا، وهذا اللفظ قد يطلق على الحكم والتسمية قال تعالى: * (ما جعل الله من بحيرة) * (المائدة: 103) أي ما حكم ولا شرع، وقال: * (إن الهدى هدى الله) * (آل عمران: 73) معناه أن الهدى ما حكم الله بأنه هدى وقال: * (من يهد الله فهو المهتد) * أي من حكم الله عليه بالهدى فهو المستحق لأن يسمى مهتديا فهذه هي الوجوه التي ذكرها المعتزلة: وقد تكلمنا عليها فيما تقدم في باب الإضلال. قالت الجبرية: وههنا وجه آخر وهو أن يكون الهدى بمعنى خلق الهداية والعلم، قال الله تعالى: * (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * (يونس: 25) قالت القدرية هذا غير جائز لوجوه: أحدها: أنه لا يصح في اللغة أن يقال لمن حمل غيره على سلوك الطريق كرها وجبرا أنه هداه إليه وإنما يقال رده إلى الطريق المستقيم وحمله عليه وجره إليه فأما أن يقال إنه هداه إليه فلا، وثانيها: لو حصل ذلك بخلق الله تعالى لبطل الأمر والنهي والمدح والذم والثواب والعقاب، فإن قيل هب أنه خلق الله تعالى إلا أنه كسب العبد قلنا هذا الكسب مدفوع من وجهين: الأول: أن وقوع هذه الحركة إما أن يكون بتخليق الله تعالى أو لا يكون بتخليقه، فإن كان بتخليقه، فمتى خلقه الله تعالى استحال من العبد أن يمتنع منه، ومتى لم يخلقه استحال من العبد الإتيان به، فحينئذ تتوجه الإشكالات المذكورة وإن لم يكن بتخليق الله تعالى بل من العبد فهذا هو القول بالاعتزال، الثاني: أنه لو كان خلقا لله تعالى وكسبا للعبد لم يخل من أحد وجوه ثلاثة، إما أن يكون الله بخلقه أولا ثم يكتسبه العبد أو يكتسبه العبد أولا ثم يخلقه الله تعالى. أو يقع الأمران معا، فإن خلقه الله تعالى كان العبد مجبورا على اكتسابه فيعود الإلزام وإن اكتسبه العبد أولا فالله مجبور على
(١٤٦)