حق الأصنام * (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) * (إبراهيم: 36) أي ضلوا بهن، وقال: * (ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا) * (نوح: 23، 24) أي ضل كثير من الناس بهم وقال: * (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * (المائدة: 64) وقال: * (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) * (نوح: 6) أي لم يزدادوا بدعائي لهم إلا فرارا وقال: * (فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري) * (المؤمنون: 110) وهم لم ينسوهم في الحقيقة بل كانوا يذكرونهم الله ويدعونهم إليه ولكن لما كان اشتغالهم بالسخرية منهم سببا لنسيانهم أضيف الإنساء إليهم وقال في براءة: * (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) * (التوبة: 124، 125) فأخبر سبحانه أن نزول السورة المشتملة على الشرائع يعرف أحوالهم فمنهم من يصلح عليها فيزداد بها إيمانا، ومنهم من يفسد عليها فيزداد بها كفرا، فإذن أضيفت الزيادة في الإيمان والزيادة في الكفر إلى السورة، إذ كانوا إنما صلحوا عند نزولها وفسدوا كذلك أيضا، فكذا أضيف الهدى والإضلال إلى الله تعالى إذا كان إحداثهما عند ضربه تعالى الأمثال لهم وقال في سورة المدثر: * (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا) * (المدثر: 31) فأخبر تعالى أن ذكره لعدة خزنة النار امتحان منه لعباده ليتميز المخلص من المرتاب فآلت العاقبة إلى أن صلح عليها المؤمنون وفسد الكافرون وأضاف زيادة الإيمان وضدها إلى الممتحنين فقال ليزداد وليقول ثم قال بعد قوله: * (ماذا أراد الله بهذا مثلا، كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) * (المدثر: 31) فأضاف إلى نفسه إضلالهم وهداهم بعد أن أضاف إليهم الأمرين معا، فبين تعالى أن الإضلال مفسر بهذا الامتحان ويقال في العرف أيضا. أمرضني الحب أي مرضت به: ويقال قد أفسدت فلانة فلانا وهي لم تعلم به، وقال الشاعر:
أي يغري الملوم باللوم، والإضلال على هذا المعنى يجوز أن يضاف إلى الله تعالى على معنى أن الكافرين ضلوا بسبب الآيات المشتملة على الامتحانات ففي هذه الآية الكفار لما قالوا: ما الحاجة إلى الأمثال وما الفائدة فيها واشتد عليهم هذا الامتحان حسنت هذه الإضافة. وثانيها: أن الإضلال هو التسمية بالضلال فيقال أضله أي سماه ضالا وحكم عليه به وأكفر فلان فلانا إذا سماه كافرا وأنشدوا بيت الكميت:
وطائفة قد أكفروني بحبكم * وطائفة قالوا مسيء ومذنب وقال طرفة: وما زال شربي الراح حتى أضلني * صديقي وحتى ساءني بعض ذلكا أراد سماني ضالا وهذا الوجه مما ذهب إليه قطرب وكثير من المعتزلة، ومن أهل اللغة من أنكره وقال إنما يقال ضللته تضليلا إذا سميته ضالا، وكذلك فسقته وفجرته إذا سميته فاجرا فاسقا، وأجيب عنه بأنه متى صيره في نفسه ضالا لزمه أن يصير محكوما عليه بالضلال فهذا الحكم