التأويل الخامس: وهو الإهلاك فغير لائق بهذا الموضع لأن قوله تعالى: * (ويهدي به كثيرا) * يمنع من حمل الإضلال على الإهلاك. وأما التأويل السادس: وهو أنه يضله عن طريق الجنة فضعيف لأنه تعالى قال: * (يضل به) * أي يضل بسبب استماع هذه الآيات والإضلال عن طريق الجنة ليس بسبب استماع هذه الآيات بل بسبب إقدامه على القبائح فكيف يجوز حمله عليه. وأما التأويل السابع: وهو أن قوله: * (يضله) * أي يجده ضالا قد بينا أن إثبات هذه اللغة لا دليل عليه وأيضا فلأنه عدى الإضلال بحرف الباء فقال: * (يضل به) * والإضلال بمعنى الوجدان لا يكون معدى بحرف الباء. وأما التأويل الثامن: فهو في هذه الآية يوجب تفكيك النظم لأنه إلى قوله يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا من كلام الكفار ثم قوله: * (وما يضل به إلا الفاسقين) * كلام الله تعالى من غير فصل بينهما بل مع حرف العطف وهو الواو، ثم هب أنه ههنا كذلك لكنه في سورة المدثر وهو قوله: * (كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) * لا شك أنه قول الله تعالى فهذا هو الكلام في الإضلال.
أما الهدى فقد جاء على وجوه: أحدها: الدلالة والبيان قال تعالى: * (أو لم يهد لهم كم أهلكنا) * (السجدة: 26) وقال: * (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي) * (البقرة: 38) وهذا إنما يصح لو كان الهدى عبارة عن البيان وقال: * (إن يتبعوا إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) * (النجم: 23) وقال: * (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) * (الإنسان: 3) أي سواء شكر أو كفر فالهداية قد جاءته في الحالتين وقال: * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) * (فصلت: 17) وقال: * (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) * (الأنعام: 154) وهذا لا يقال للمؤمن وقال تعالى حكاية عن خصوم داود عليه السلام: * (ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) * (ص: 22) أي أرشدنا وقال: * (إن الذين ارتدوا على إدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم) * (محمد: 25) وقال: * (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) * (الزمر: 56) إلى قوله: * (أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) * (الزمر: 57) إلى قوله: * (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت) * الزمر: 59) أخبر أنه قد هدى الكافر مما جاءه من الآيات وقال: * (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى وحرمة) * (الأنعام: 157) وهذه مخاطبة للكافرين. وثانيها: قالوا في قوله: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) * (الشورى: 52) أي لتدعو وقوله: * (ولكل قوم هاد) * (الرعد: 7) أي داع يدعوهم إلى ضلال أو هدى. وثالثها: التوفيق من الله بالألطاف المشروطة بالإيمان يؤتيها المؤمنين جزاء على إيمانهم ومعونة عليه وعلى الازدياد من طاعته، فهذا ثواب لهم وبإزائه ضده للكافرين وهو أن يسلبهم ذلك فيكون مع أنه تعالى ما هداهم يكون قد أضلهم، والدليل على هذا الوجه قوله تعالى: * (والذين اهتدوا زادهم هدى) * (محمد: 17)، * (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) * (مريم: 76)، * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * (آل عمران: 86)، * (يثبت الله