وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن الله أقسم بيوم القيامة، وبالنفس اللوامة، وجعل لا ردا لكلام قد كان تقدمه من قوم، وجوابا لهم.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لان المعروف من كلام الناس في محاوراتهم إذا قال أحدهم: لا والله، لا فعلت كذا، أنه يقصد بلا رد الكلام، وبقوله: والله، ابتداء يمين، وكذلك قولهم: لا أقسم بالله لا فعلت كذا فإذا كان المعروف من معنى ذلك ما وصفنا، فالواجب أن يكون سائر ما جاء من نظائره جاريا مجراه، ما لم يخرج شئ من ذلك عن المعروف بما يجب التسليم له. وبعد، فإن الجميع من الحجة مجمعون على أن قوله:
لا أقسم بيوم القيامة قسم فكذلك قوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة إلا أن تأتي حجة تدل على أن أحدهما قسم والآخر خبر. وقد دللنا على أن قراءة من قرأ الحرف الأول لأقسم بوصل اللام بأقسم قراءة غير جائزة بخلافها ما عليه الحجة مجمعة، فتأويل الكلام إذا: لا ما الامر كما تقولون أيها الناس من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم أحياء، أقسم بيوم القيامة.
وكانت جماعة تقول: قيامة كل نفس موتها. ذكر من قال ذلك:
27527 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان ومسعر، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة، قال: يقولون: القيامة القيامة، وإنما قيامة أحدهم: موته.
27528 - قال: ثنا وكيع، عن مسعر وسفيان، عن أبي قبيس، قال: شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته.
وقوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: اللوامة فقال بعضهم: معناه: ولا أقسم بالنفس التي تلوم على الخير والشر. ذكر من قال ذلك:
27529 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير، في قوله: ولا أقسم بالنفس اللوامة قال:
تلوم على الخير والشر.
27530 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة ولا أقسم بالنفس اللوامة قال: تلوم على الخير والشر.
27531 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس ولا أقسم بالنفس اللوامة قال: هي النفس اللؤوم.