فقال: لم يرج لسعها، ومعناه في ذلك: لم يخف لسعها، وكوضعهم الظن موضع العلم الذي لم يدرك من قبل العيان، وإنما أدرك استدلالا أو خبرا، كما قال الشاعر:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج * سراتهم في الفارسي المسرد بمعنى: أيقنوا بألفي مدجج واعلموا، فوضع الظن موضع اليقين، إذ لم يكن المقول لهم ذلك قد عاينوا ألفي مدجج، ولا رأوهم، وإن ما أخبرهم به هذا المخبر، فقال لهم ظنوا العلم بما لم يعاين من فعل القلب، فوضع أحدهما موضع الآخر لتقارب معنييهما في نظائر لما ذكرت يكثر إحصاؤها، كما يتقارب معنى الكلمتين في بعض المعاني، وهما مختلفتا المعنى في أشياء أخر، فتضع العرب إحداهما مكان صاحبتها في الموضع الذي يتقارب معنياهما فيه، فكذلك قوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وضعت إلا في موضع بعد لما نصف من تقارب معنى إلا، وبعد في هذا الموضع، وكذلك ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنما معناه: بعد الذي سلف منكم في الجاهلية، فأما إذا وجهت إلا في هذا الموضع إلى معنى سوى، فإنما هو ترجمة عن المكان، وبيان عنها بما هو أشد التباسا على من أراد علم معناها منها.
وقوله: ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك يقول تعالى ذكره: ووقى هؤلاء المتقين ربهم يومئذ عذاب النار تفضلا يا محمد من ربك عليهم، وإحسانا منه إليهم بذلك، ولم يعاقبهم بجرم سلف منهم في الدنيا، ولولا تفضله عليهم بصفحه لهم عن العقوبة لهم على ما سلف منهم من ذلك، لم يقهم عذاب الجحيم، ولكن كان ينالهم ويصيبهم ألمه ومكروهه.
وقوله: ذلك هو الفوز العظيم يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطينا هؤلاء المتقين