عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر... الآية، قال:
الذكر: التوراة، والزبور: الكتب.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ... الآية، قال: الذكر: التوراة، ويعني بالزبور من بعد التوراة: الكتب.
وقال آخرون: بل عني بالزبور زبور داود، وبالذكر توراة موسى صلى الله عليهما.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر أنه قال في هذه الآية: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال: زبور داود. من بعد الذكر: ذكر موسى التوراة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، أنه قال في هذه الآية: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال: في زبور داود، من بعد ذكر موسى.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك ما قاله سعيد بن جبير ومجاهد ومن قال بقولهما في ذلك، من أن معناه: ولقد كتبنا في الكتب من بعد أم الكتاب الذي كتب الله كل ما هو كائن فيه قبل خلق السماوات والأرض. وذلك أن الزبور هو الكتاب، يقال منه: زبرت الكتاب وذبرته: إذا كتبته، وأن كل كتاب أنزله الله إلى نبي من أنبيائه، فهو ذكر. فإذ كان ذلك كذلك، فإن في إدخاله الألف واللام في الذكر، الدلالة البينة أنه معني به ذكر بعينه معلوم عند المخاطبين بالآية، ولو كان ذلك غير أم الكتاب التي ذكرنا لم تكن التوراة بأولى من أن تكون المعنية بذلك من صحف إبراهيم، فقد كان قبل زبور داود.
فتأويل الكلام إذن، إذ كان ذلك كما وصفنا: ولقد قضينا، فأثبتنا قضاءنا في الكتب من بعد أم الكتاب، أن الأرض يرثها عبادي الصالحون يعني بذلك: أن أرض الجنة يرثها عبادي العاملون بطاعته المنتهون إلى أمره ونهيه من عباده، دون العاملين بمعصيته منهم المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته. ذكر من قال ذلك: