وقيل: إن ذلك من الغم، لان الصدر يضيق به ولا يتبين صاحبه لامره مصدرا يصدره يتفرج عنه بقلبه، ومنه قول خنساء:
وذي كربة راحني ابن عمرو خناقه * وغمته عن وجهه فتجلت وكان قتادة يقول في ذلك ما:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر، عن قتادة: أمركم عليكم غمة قالا: لا يكبر عليكم أمركم.
وأما قوله: ثم اقضوا إلي فإن معناه: ثم امضوا إلي ما في أنفسكم وافرغوا منه.
كما:
حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ثم اقضوا إلي ولا تنظرون قال: اقضوا إلي ما كنتم قاضين.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ثم اقضوا إلي ولا تنظرون قال: اقضوا إلي ما في أنفسكم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله: ثم اقضوا إلي فقال بعضهم:
معناه: امضوا إلي، كما يقال: قد قضى فلان، يراد: قد مات ومضى.
وقال آخرون منهم: بل معناه: ثم افرغوا إلي، وقالوا: القضاء: الفراغ، والقضاء من ذلك. قالوا: وكأن قضى دينه من ذلك إنما هو فرغ منه. وقد حكي عن بعض القراء أنه قرأ ذلك: ثم أفضوا إلي بمعنى: توجهوا إلي حتى تصلوا إلي، من قولهم: قد أفضى إلي الوجع وشبهه. وقوله: ولا تنظرون يقول: ولا تؤخرون، من قول القائل: أنظرت فلانا بما لي عليه من الدين. وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول نبيه نوح عليه السلام لقومه: إنه بنصرة الله له عليهم واثق ومن كيدهم وتواثقهم غير خائف، وإعلام منه لهم أن آلهتهم لا تضر ولا تنفع، يقول لهم: امضوا ما تحدثون أنفسكم به في علي عزم منكم