حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر عن قتادة كأنما وجوههم قطعا من الليل مظلما قال: ظلمة من الليل.
واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: قطعا فقرأته عامة قراء الأمصار: قطعا بفتح الطاء على معنى جمع قطعة، وعلى معنى أن تأويل ذلك: كأنما أغشيت وجه كل انسان منهم قطعة من سواد الليل، ثم جمع ذلك فقيل: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد، إذ جمع الوجه. وقرأه بعض متأخري القراء: قطعا بسكون الطاء، بمعنى: كأنما أغشيت وجوههم سوادا من الليل، وبقية من الليل، ساعة منه، كما قال: فأسر بأهلك بقطع من الليل أي ببقية قد بقيت منه، ويعتل لتصحيح قراءته ذلك كذلك أنه في مصحف أبي:
ويغشى وجوههم قطع من الليل مظلم.
والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي قراءة ذلك بفتح الطاء، لاجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها وشذوذ ما عداها. وحسب الأخرى دلالة على فسادها، خروج قارئها عما عليه قراء أهل الأمصار والإسلام.
فإن قال لنا قائل: فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت، فما وجه تذكير المظلم وتوحيده، وهو من نعت القطع والقطع جمع لمؤنث؟ قيل في تذكيره ذلك وجهان:
أحدهما: أن يكون قطعا من الليل، وإن يكون من نعت الليل، فلما كان نكرة والليل معرفة نصب على القطع. فيكون معنى الكلام حينئذ: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل المظلم، ثم حذفت الألف واللام من المظلم، فلما صار نكرة وهو من نعت الليل نصب على القطع وتسمي أهل البصرة ما كان كذلك حالا، والكوفيون قطعا. والوجه الآخر على نحو قول الشاعر:
لو أن مدحة حي منشر أحدا والوجه الأول أحسن وجهيه.