العين في ظاهرهم، والفارغون في واقعهم من قوم نوح (عليه السلام) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم.
وبهذا اعتبروا أول عيب له كونه إنسانا فاتهموه بالسلطوية، وحديثه عن الله والتوحيد والدين والعقيدة مؤامرة لتحقيق أهدافه، ثم أضافوا ولو شاء الله لأنزل ملائكة ولإتمام هذا الاستدلال الخاوي قالوا: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.
إلا أن هذا الكلام الفارغ لم يؤثر في معنويات هذا النبي الكبير، حيث واصل دعوته إلى الله، ولم يكن في عمله دليل على رغبته في الحصول على امتياز على الآخرين، أو أن يتسلط عليهم، لهذا لجأوا إلى توجيه تهمة أخرى إليه، هي الجنون الذي كان يتهم به جميع أنبياء الله عبر التاريخ، حيث قالوا:
إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين.
واستخدم المشركون تعبير به جنة ضد هذا النبي المرسل أي به (نوع من أنواع الجنون) ليغطوا على حقيقة واضحة، فكلام نوح (عليه السلام) خير دليل على رجحان علمه وعقله، وكانوا يبغون - في الحقيقة - أن يقولوا: كل هذه الأمور صحيحة، إلا أن الجنون فنون له صورا متباينة قد يقترن أحدها بالعقل!!
أما عبارة فتربصوا به حتى حين فقد تكون إشارة إلى انتظار موت نوح (عليه السلام) من قبل المخالفين الذين ترقبوا موته لحظة بعد أخرى ليريحوا أنفسهم، ويمكن أن تعني تأكيدا منهم لجنونه، فقالوا: انتظروا حتى يشفى من هذا المرض (1).
وعلى كل حال فإن المخالفين وجهوا إلى نوح (عليه السلام) ثلاثة إتهامات واهية متناقضة، واعتبروا كل واحد منها دليلا ينفي رسالته:
الأول: إن ادعاء البشر بأنهم رسل الله ادعاء كاذب، حيث لم يحدث مثل هذا في السابق، ولو شاء الله ذلك لبعث ملائكته رسلا إلى الناس!