وكذلك إذا رأيتم أن العقوبة الإلهية لا تحيط بكم فورا، فلا تظنوا أن الله سبحانه غير عالم بعملكم، فلا أعلم لعله امتحان لكم: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم يأخذكم أشد مأخذ ويعاقبكم أشد عقاب!
لقد أوضحت الآية في الواقع حكمتين لتأخير العذاب الإلهي:
الأولى: مسألة الامتحان والاختبار، فإن الله سبحانه لا يعجل في العذاب أبدا حتى يمتحن الخلق بالقدر الكافي، ويتم الحجة عليهم.
والثانية: إن هناك أفرادا قد تم اختبارهم وحقت عليهم كلمة العذاب حتما، إلا أن الله سبحانه يوسع عليهم النعمة ليشدد عليهم العذاب، فإذا ما غرقوا في النعمة تماما، وغاصوا في اللذائذ، أهوى عليهم بسوط العذاب ليكون أشد وآلم، وليحسوا جيدا بألم وعذاب المحرومين والمضطهدين.
وتتحدث آخر آية هنا - وهي آخر آية من سورة الأنبياء - كالآية الأولى من هذه السورة عن غفلة الناس الجهال، فتقول حكاية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عبارة تشبه اللعن، وتعكس معاناته (صلى الله عليه وآله وسلم) من كل هذا الغرور والغفلة، وتقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد مشاهدة كل هذا الإعراض قال رب احكم بالحق (1). وفي الجملة الثانية يوجه الخطاب إلى المخالفين ويقول: وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون.
إنه في الحقيقة ينبه هؤلاء بكلمة (ربنا) إلى هذه الحقيقة، وهي أننا جميعا مربوبون ومخلوقون، وهو ربنا وخالقنا جميعا.
والتعبير ب " الرحمن "، والذي يشير إلى الرحمة العامة، يعيد إلى أسماع هؤلاء أن الرحمة الإلهية قد عمت كل وجودنا، فلماذا لا تفكروا لحظة في خالق كل هذه النعمة والرحمة؟
وتعبير المستعان على ما تصفون يحذر هؤلاء بأن لا تظنوا أنا وحيدون