ينتفعوا، فإن ذلك يتعلق بهم أنفسهم، ولا يخدش في عمومية الرحمة.
وهذا يشبه تماما أن يؤسس جماعة مستشفى مجهزة لعلاج كل الأمراض، وفيها الأطباء المهرة، وأنواع الأدوية، ويفتحوا أبوابها بوجه كل الناس بدون تمييز، أليست هذه المستشفى رحمة لكل أفراد المجتمع؟ فإذا إمتنع بعض المرضى العنودين من قبول هذا الفيض العام، فسوف لا يؤثر في كون تلك المستشفى عامة.
وبتعبير آخر فإن كون وجود النبي رحمة للعالمين له صفة المقتضى وفاعلية الفاعل، ومن المسلم أن فعلية النتيجة لها علاقة بقابلية القابل.
إن التعبير ب " العالمين " له إطار واسع يشمل كل البشر وعلى امتداد الأعصار والقرون، ولهذا يعتبرون هذه الآية إشارة إلى خاتمية نبي الإسلام، لأن وجوده رحمة وإمام وقدوة لكل الناس إلى نهاية الدنيا، حتى أن هذه الرحمة تشمل الملائكة أيضا:
ففي حديث شريف مروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤيد هذه العمومية، إذ نلاحظ فيه إن هذه الآية لما نزلت سأل النبي جبرئيل فقال: " هل أصابك من هذه الرحمة شئ؟ " فقال جبريل: " نعم إني كنت أخشى عاقبة الأمر، فآمنت بك لما أثنى الله علي بقوله: عند ذي العرش مكين " (1).
وعلى كل حال، ففي دنيا اليوم حيث ينتشر الفساد والظلم والاستبداد في كل جانب، ونيران الحروب مستعرة في كل جهة، وأخذت قبضات الجبارين العتاة بأنفاس المستضعفين المظلومين.. في الدنيا الغارقة في الجهل وفساد الأخلاق والخيانة والظلم والجور.. أجل في مثل هذه الدنيا سيتضح أكثر فأكثر معنى كون النبي رحمة للعالمين، وأي رحمة أسمى من أنه أتى بدين إذا عمل به فإنه يعني نهاية كل المآسي والنكبات والأيام السوداء؟