القرآن الكريم هذا الفصل بهذه الجملة: ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى ومن المسلم أن المراد من هذه الآيات هنا ليس كل المعجزات التي ظهرت على يد موسى (عليه السلام) طيلة حياته في مصر. بل مرتبطة بالمعجزات التي أراها فرعون في بداية دعوته، معجزة العصا، واليد البيضاء، ومحتوى دعوته السماوية الجامعة، والتي كانت بنفسها دليلا حيا على أحقيته، ولذلك تطالعنا بعد هذه الحادثة مسألة المواجهة بين السحرة وموسى (عليه السلام) ومعجزاته الجديدة.
والآن، لنر ماذا قال فرعون الطاغي المستكبر العنود في مقابل موسى ومعجزاته، وكيف اتهمه كما هي عادة كل المتسلطين والحكام المتعنتين: قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى وهو إشارة إلى أننا نعلم أن مسألة النبوة والدعوة إلى التوحيد، وإظهار هذه المعجزات تشكل بمجموعها خطة منسقة للانتصار علينا، وبالتالي إخراجنا مع الأقباط من أرض آبائنا وأجدادنا، فليس هدفك الدعوة إلى التوحيد، ولا نجاة وتخليص بني إسرائيل، بل هدفك الوصول إلى الحكم والسيطرة على هذه الأرض، وإخراج المعارضين!
إن هذه التهمة هي نفس الحربة التي يستخدمها الطواغيت والمستعمرون على امتداد التاريخ، ويلوحون بها ويشهرونها كلما رأوا أنفسهم في خطر، ومن أجل إثارة الناس لصالحهم يثيرون مسألة تعرض مصالح البلد للخطر، فالبلد يعني حكومة هؤلاء العتاة، ووجوده يعني وجودهم!
ويعتقد بعض المفسرين أن الهدف من جلب بني إسرائيل إلى مصر، والاحتفاظ بهم في هذه الأرض لم يكن من أجل استغلال قواهم كعبيد وحسب، بل إنهم في الوقت نفسه كانوا لا يريدون لبني إسرائيل، الذين كانوا قوما أقوياء، أن يتحولوا إلى قوة ومصدر خطر. وكذلك لم يكن الأمر بقتل الذكور للخوف من ولادة موسى فقط، بل للوقوف أمام قوتهم والحد منها، وهذا عمل يقوم به كل الأقوياء الظالمين، وبناء على هذا فإن خروج بني إسرائيل - حسب طلب موسى -