الملائكة مطلعون على هذا الموضوع، وهو أن لله إحاطة علمية بهم، وهذا العرفان هو السبب في أنهم لا يسبقونه بالقول، ولا يعصون أمره، ولهذا فإن هذه الجملة يمكن أن تكون بمثابة تعليل للآية السابقة.
5 - ولا شك أن هؤلاء الذين هم عباد الله المكرمون المحترمون يشفعون للمحتاجين، لكن ينبغي الالتفات إلى أن هؤلاء ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ومن المسلم أن رضي الله وإذنه في الشفاعة لا يمكن أن يكون أي منهما اعتباطيا، بل لابد أن يكون من أجل الإيمان الحقيقي، أو الأعمال التي تحفظ علاقة الإنسان بالله.
وبتعبير آخر، فإن من الممكن أن يتلوث الإنسان بالمعصية، إلا أنه إذا لم يقطع علاقته بالله وأوليائه تماما، فإن الشفاعة تؤمل في حقه. أما إذا قطع علاقته تماما من ناحية الاتجاه الفكري والعقائدي، أو أنه غرق في المعاصي والانحراف من الناحية العملية، إلى الحد الذي يفقد معه لياقة الشفاعة أو استحقاقها، ففي هذه الحال سوف لا يشفع له أي نبي مرسل أو ملك مقرب.
إن هذا هو نفس المطلب الذي أوردناه في بحث فلسفة الشفاعة ضمن البحوث السابقة، بأن الشفاعة هي طريق لتهذيب الإنسان، ووسيلة لإرجاع المذنبين إلى الصراط المستقيم، والمنع من اليأس أو القنوط، والذي هو بنفسه عامل للانزلاق والغرق في الانحراف والمعصية.
إن الإيمان بمثل هذه الشفاعة يبعث على بقاء ارتباط المذنبين بالله ورسله والأئمة، ولا يهدموا كل الجسور خلفهم، ويحفظوا خط الرجعة (1).
ثم إن هذه الجملة تجيب ضمنا أولئك الذين يقولون: إننا نعبد الملائكة لتشفع لنا عند الله، فيقول القرآن لهم: إن هؤلاء لا يقدرون على فعل شئ من تلقاء