المكروه ووقع ما وقع من البلاء، وهنا كان كثيرون يتصورون بأن على النبي أن لا يشاور بعد ذلك أحدا، وأن عليه أن يتصرف كما يرى هو، ولكن القرآن الكريم جاء يرد على هذا التصور، ويجيب على هذا النوع من التفكير ويأمر النبي بأن يعيد المشاورة إذ يقول وشاورهم في الأمر لأن المشاورة وإن لم تنفع في بعض المواضع، فإنها نافعة على العموم، بل إن نتائجها المفيدة الكثيرة لو قيست إلى بعض النتائج السلبية وغير المفيدة تبدو أكثر اضعافا كما وأن أثرها في صياغة الأفراد والجماعات وإنماء شخصيتهم من الأهمية بحيث يغطي على نقاط ضعفها، بل هو أبرز آثارها وأهم فوائدها الذي لا يمكن ولا يجوز التغاضي عنه.
والآن نرى في أي المواضيع كان يشاور الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه؟
صحيح أن كلمة " الأمر " في قوله تعالى وشاورهم في الأمر ذات مفهوم واسع يشمل جميع الأمور، ولكن من المسلم أيضا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشاور الناس في الأحكام الإلهية مطلقا، بل كان في هذا المجال يتبع الوحي فقط.
وعلى هذا الأساس كانت المشاورة في كيفية تنفيذ التعاليم والأحكام الإلهية على أرض الواقع.
وبعبارة أخرى: إن النبي لم يشاور أحدا في التقنين، بل كان يشاور في كيفية التطبيق ويطلب وجهة نظر المسلمين في ذلك.
ولهذا عندما كان يقترح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرا - أحيانا - بادره المسلمون بهذا السؤال: هل هذا حكم إلهي لا يجوز إبداء الرأي فيه، أو أنه يرتبط بكيفية التطبيق والتنفيذ؟ فإذا كان من النوع الثاني، أدلى الناس فيه بآرائهم، وأما إذا كان من النوع الأول لم يكن منهم تجاهه سوى التسليم والتفويض.
ففي يوم بدر جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدنى ماء من بدر فنزل عنده، فقال " الحباب ابن المنذر ": يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزله الله ليس لنا أن نتقدمه ولا