من هذه الآثار المنتشرة في شتى أنحاء هذا الكوكب تنطوي - رغم صمتها - على ألف حديث وحديث، وألف كلمة وكلمة.
ولهذا عمد كبار الشعراء إلى الاستلهام من هذه الأطلال والآثار واستوحوا منها الدروس والعبر والعظات، ونقلوا إلى الآخرين عبر قصائدهم ما كان يجيش في صدورهم، وينقدح في نفوسهم من المشاعر والأحاسيس المختلفة، تجاه ما تحكيه هذه الأطلال والآثار من معاني وتعطيه من دلالات.
ولقد لخص أحد الأدباء هذه الحقيقة في بيت شعري إذ قال: إن آثارنا تدل علينا * فانظروا بعدنا إلى الآثار إن مطالعة سطر واحد من هذه التواريخ الحية الناطقة تعادل - في الحقيقة - مطالعة كتاب ضخم في مجال التاريخ، وأن ما تبعثه تلك المطالعة في النفس والروح البشرية لا يقاس به شئ مهما عظم.
ذلك لأننا عندما نقف أمام آثار الماضين تتمثل أمامنا تلك الآثار وكأنها قد استعادت حياتها، ودب فيها الروح، وكأن العظام النخرة قد خرجت من تحت الأرض حية، وكأن كل شئ قد عاد إلى سيرته الأولى، وكأن جميع الأشياء تنطق وتتحدث، ثم إذا أعدنا النظر وجدناها صامتة ميتة منسية، وهذه المقايسة بين هاتين الحالتين ترينا غباء أولئك المستبدون الذين يرتكبون آلاف الجرائم، وأفظع الجنايات للوصول إلى الشهوات العابرة، واللذائذ الخاطفة.
ولهذا يحث القرآن المسلمين على السير في الأرض، والنظر إلى آثار الماضين المدفونة تحت التراب أو الباقية على ظهر الأرض بأم أعينهم، وأن يتخذوا من كل ذلك العظة والعبرة وما أكثر العبر.
أجل، إن الإسلام يقر مسألة السياحة والسير في الأرض، ويوليها أهمية كبرى، لكن لا كما يريد السياح وطلاب اللذة والهوى، بل لدراسة آثار الأمم