يمكن الاستنتاج من أوتوا نصيبا من الكتاب أن ما كان بين أيدي اليهود والنصارى من التوراة والإنجيل لم يكن كاملا، بل كان قسم منهما بين أيديهم، بينما كان القسم الأعظم من هذين الكتابين السماويين قد ضاع أو حرف.
هذه الآية تؤيدها آيات أخرى في القرآن، كما أن هناك شواهد ودلائل تاريخية تؤكد ما ذهبنا إليه.
وفي الآية الثانية شرح سبب عصيانهم وتمردهم، وهو أنهم كانوا يحملون فكرة خاطئة عن كونهم من عنصر ممتاز، وهم اليوم أيضا يحملون هذه الفكرة الباطلة الواضحة في كتاباتهم الدالة على الاستعلاء العنصري.
كانوا يظنون أن لهم علاقة خاصة بالله سبحانه، حتى أنهم سموا أنفسهم " أبناء الله " كما ينقل القرآن ذلك على لسان اليهود والنصارى في الآية 18 من سورة المائدة قولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه. وبناءا على ذلك كانوا يرون لأنفسهم حصانة تجاه العقوبات الربانية، وكانوا ينسبون ذلك إلى الله نفسه. لذلك كانوا يعتقدون أنهم لن يعاقبوا على ذنوبهم يوم القيامة إلا لأيام معدودات: قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات.
ولعل القصد من " الأيام المعدودات " هي الأربعون يوما التي عبدوا فيها العجل في غياب موسى (عليه السلام)، وكان هذا ذنبا لم يكونوا هم أنفسهم قادرين على إنكاره.
أو لعلها أيام قليلة من أعمارهم ارتكبوا فيها ذنوبا كبيرة غير قابلة للإنكار، ولم يستطيعوا حتى على إخفائها.
هذه الامتيازات الكاذبة المصطنعة، التي أسبغوها على أنفسهم ونسبوها إلى الله، صارت شيئا فشيئا جزءا من معتقداتهم بحيث إنهم اغتروا بها وراحوا يخالفون أحكام الله ويخرقون قوانينه مجترئين عليها جرأة لا مزيد عليها