على أنه وقع بعد قيام إبراهيم بتحطيم الأصنام ونجاته من النار، إذ من الواضح أنه قبل إلقائه في النار لم تكن لتجري أمثال هذه المجادلات، لأن عبدة الأصنام ما كانوا يسمحون له بالكلام وهم يعتبرونه مجرما ينبغي أن ينال بأسرع وقت جزاءه على فعلته الشنيعة بتحطيم آلهتهم المقدسة!
إنهم سألوه عن سبب فعلته ثم أصدروا أمرهم بإحراقه وهم غاضبون، ولكن عندما خرج من النار سليما على تلك الصورة العجيبة استطاع أن يصل إلى نمرود وأن يحاوره.
3 - يتبين جليا من الآية أن نمرود لم يكن في الواقع يبحث عن الحقيقة، بل كان يريد أن يظهر باطله بمظهر الحق. ولعل استعمال الفعل " حاج " قصد به هذا المعنى، لأنه يستعمل عادة في مثل هذه الحالات.
4 - يستدل من الآية بصورة واضحة أن جبار ذلك الزمان كان يدعي الألوهية، لا ليعبدوه فحسب، بل ليؤمنوا به خالقا لهذا العالم أيضا، أي أنه كان يرى نفسه معبودا وخالقا.
وليس في هذا ما يدعو إلى العجب، ففي الوقت الذي يسجد فيه الناس لأصنام من الحجر والخشب، وفضلا عن عبادتها يعتبرونها مؤثرة في إدارة العالم وتساهم فيها، فإن الفرصة مناسبة لجبار مخادع أن يستغفل الناس ويستغل سذاجتهم ويدعوهم إليه ويظهر نفسه بمظهر صنم يعبدونه ويعتبرونه خالقا.
5 - تاريخ عبادة الأصنام يصعب لنا بيان تاريخ لعبادة الأصنام وتعيين مبدأ له، فمنذ أقدم الأزمنة التي كانت عبادة الأصنام سائدة بين البشر الذين كانت أفكارهم منحطة وعلى مستوى واطئ.
الواقع أن عبادة الأصنام نوع من التحريف في العقيدة الفطرية الطبيعية