وحجة من قال إنه إسحاق: أن أهل الكتابين أجمعوا على ذلك. وجوابه: إن إجماعهم ليس بحجة، وقولهم غير مقبول. وروى محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فسألني عن الذبيح فقلت:
إسماعيل، واستدللت بقوله (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين)، فأرسل إلى رجل بالشام كان يهوديا، فأسلم، وحسن إسلامه، وكان يرى أنه من علماء اليهود، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك، وأنا عنده، فقال: إسماعيل. ثم قال: والله يا أمير المؤمنين! إن اليهود لتعلم ذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أبوكم الذي كان من أمر الله فيه ما كان، فهم يجحدون ذلك، ويزعمون أنه إسحاق، لان إسحاق أبوهم.
وقال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء، عن الذبيح إسحاق أم إسماعيل؟
فقال: يا أصمعي! أين ذهب عنك عقلك؟ ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان بمكة إسماعيل، وهو بنى البيت مع أبيه، والمنحر بمكة لا شك فيه. وقد استدل بهذه الآية من أجاز نسخ الشئ قبل وقت فعله، فقال: إن الله تعالى نهاه عن ذبحه بعد أن أمره به، وقد أجيب عن ذلك بأجوبة.
أحدها: إنه سبحانه لم يأمر إبراهيم بالذبح الذي هو فري الأوداج، وإنما أمره بمقدمات الذبح من الإضجاع، وتناول المدية، وما يجري مجرى ذلك. والعرب قد تسمي الشئ باسم مقدماته. ولهذا قال: (قد صدقت الرؤيا). ولو كان أمره بالذبح، لكان إنما صدق بعض الرؤيا. وأما الفداء بالذبح، فلما كان يتوقعه من الأمر بالذبح، ولا يمتنع أيضا أن يكون فدية عن مقدمات الذبح، لان الفدية لا يجب أن تكون من جنس المفدى. ألا ترى أن حلق الرأس قد يفدى بدم ما يذبح، وكذلك لبس الثوب المخيط، والجماع، وغير ذلك.
وثانيها: إنه عليه السلام إنما أمر بصورة الذبح، وقد فعله، لأنه فرى أوداج ابنه، ولكنه كلما فرى جزءا منه، وجاوزه إلى غيره، عاد في الحال ملتحما. فإن قلت: إن حقيقة الذبح هو قطع مكان مخصوص، تزول معه الحياة؟ فالجواب: إن ذلك غير مسلم، لأنه يقال ذبح هذا الحيوان، ولم يمت بعد، ولو سلمنا أن حقيقة الذبح ذلك، لكان لنا أن نحمل الذبح على المجاز للدليل الدال عليه.
وثالثها: إن الله تعالى أمره بالذبح، إلا أنه سبحانه جعل على عنقه صفحة من