بغلام حليم) أي: بابن وقور، عن الحسن قال: وما سمعت الله تعالى نحل عباده شيئا أجل من الحلم. والحليم: الذي لا يعجل في الأمر قبل وقته، مع القدرة عليه. وقيل: الذي لا يعجل بالعقوبة. قال الزجاج: وهذه البشارة تدل على أن الغلام يبقى حتى ينتهي في السن، ويوصف بالحلم. ثم أخبر سبحانه أن الغلام الذي بشر به، ولد له وترعرع بقوله: (فلما بلغ معه السعي) أي: شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم، عن مجاهد. والمعنى: بلغ إلى أن يتصرف ويمشي معه، ويعينه على أموره قالوا: وكان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل: يعني بالسعي العمل لله والعبادة، عن الحسن والكلبي، وابن زيد ومقاتل. (قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) معنى رأى في الكلام على خمسة أوجه أحدها: أبصر والثاني: علم نحو رأيت زيدا عالما. والثالث: ظن كقوله تعالى.
(إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا). والرابع: اعتقد نحو قوله:
وإنا لقوم ما نرى القتل سبة، * إذا ما رأته عامر وسلول والخامس: بمعنى الرأي، نحو: رأيت هذا الرأي. وأما رأيت في المنام، فمن رؤية البصر، فمعنى الآية: إن إبراهيم قال لابنه إني أبصرت في المنام رؤيا تأويلها الأمر بذبحك، فانظر ماذا تراه، أو أي شئ ترى من الرأي. ولا يجوز أن يكون ترى فهنا بمعنى تبصر، لأنه لم يشر إلى شئ يبصر بالعين، ولا يجوز أن يكون بمعنى علم، أو ظن، أو اعتقد، لأن هذه الأشياء تتعدى إلى مفعولين، وليس هنا إلا مفعول واحد، مع استحالة المعنى. فلم يبق إلا أن يكون من الرأي. والأولى أن يكون الله تعالى قد أوحى إليه في حال اليقظة، وتعبده بأن يمضي ما يأمره به في حال نومه، من حيث إن منامات الأنبياء لا تكون إلا صحيحة، ولو لم يأمره بذلك في حال اليقظة، لما كان يجوز أن يعمل على ما يراه في المنام. وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: منامات الأنبياء وحي. وقال قتادة: رؤيا الأنبياء حق، إذا رأوا شيئا فعلوه. وقال أبو مسلم: رؤيا الأنبياء مع أن جميعها صحيحة ضربان أحدهما. أن يأتي الشئ كما رأوه، ومنه قوله سبحانه. (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام) الآية. والأخر: أن يكون عبارة عن خلاف الظاهر مما رأوه في المنام، وذلك كرؤيا يوسف الأحد عشر كوكبا، والشمس والقمر، ساجدين.
وكان رؤيا إبراهيم من هذا القبيل، لكنه لم يأمن أن يكون ما رآه مما يلزمه العمل به