الملائكة المرسلين إلى المؤتفكة، وبشروه بغلام حليم، قال إبراهيم حين بشر به هو إذا له ذبيح. فلما ولد الغلام، وبلغ معه السعي، قيل له. أوف بنذرك الذي نذرت. فكان هذا هو السبب في أمره عليه السلام بذبح ابنه، فقال إبراهيم عليه السلام عند ذلك لإسحاق: انطلق نقرب قربانا لله، وأخذ سكينا وحبلا. ثم انطلق معه، حتى إذا ذهب به بين الجبال، قال له الغلام: يا أبه! أين قربانك؟ فقال: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) إلى آخره، عن السدي.
وقيل: إن إبراهيم رأى في المنام أن يذبح ابنه إسحاق، وقد كان حج بوالدته سارة وأهله. فلما انتهى إلى منى رمى الجمرة هو وأهله، وأمر سارة فزارت البيت، واحتبس الغلام. فانطلق به إلى موضع الجمرة الوسطى، فاستشاره في نفسه، فأمره الغلام أن يمضي ما أمره الله، وسلما لامر الله. فأقبل شيخ فقال: يا إبراهيم! ما تريد من هذا الغلام؟ قال: أريد أن أذبحه. فقال: سبحان الله تريد أن تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين قط؟ قال إبراهيم: إن الله أمرني بذلك. قال: ربك ينهاك عن ذلك، وإنما أمرك بهذا الشيطان. فقال إبراهيم: لا والله. فلما عزم على الذبح قال الغلام. يا أبتا خمر وجهي، وشد وثاقي. قال إبراهيم. يا بني! الوثاق مع الذبح، والله لا أجمعهما عليك اليوم! ورفع رأسه إلى السماء، ثم انحنى عليه بالمدية، وقلب جبرائيل المدية على قفاها، واجتر الكبش من قبل ثبير، واجتر الغلام من تحته، ووضع الكبش مكان الغلام، ونودي من ميسرة مسجد الخيف (يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) بإسحاق (إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين) قال: ولحق إبليس بأم الغلام، حين زارت البيت، فقال لها: ما شيخ رأيته بمنى؟
قالت: ذاك بعلي. قال: فوصيف رأيته؟ قالت: ذاك ابني. قال: فإني رأيته وقد أضجعه، وأخذ المدية ليذبحه. قالت: كذبت! إبراهيم أرحم الناس، فكيف يذبح ابنه؟ قال: فورب السماء، ورب هذه الكعبة، قد رأيته كذلك. قالت: ولم؟
قال: زعم أن ربه أمره بذلك. قالت: حق له أن يطيع ربه. فوقع في نفسها أنه قد أمر في ابنها بأمر. فلما قضت نسكها أسرعت في الوادي راجعة إلى منى، واضعة يديها على رأسها، وهي تقول: يا رب لا تؤاخذني بما عملت بأم إسماعيل! فلما جاءت سارة، وأخبرت الخبر، قامت إلى ابنها تنظر، فرأت إلى أثر السكين خدشا في حلقه، ففزعت واشتكت، وكانت بدو مرضها الذي هلكت به. رواه العياشي،