بم عرفت ذلك، إذ لم يمكنها أن تستدرك ذلك بالنظر والفكر قلنا: قد يجوز أن لا يكون خطر ببالها ذلك إلا عندما أعلمهم الله، فلما علموا ذلك، فزعوا إلى المسألة عنه، لان المسألة لمن يتوقع سرعة جوابه أو يوثق بعلمه وخبره يقوم مقام النظر والفكر وقوله: " أتجعل فيها من يفسد فيها " يريدون من ولد آدم الذين ليسوا أنبياء، ولا أئمة معصومين فكأنه قال تعالى: أني جاعل في الأرض خليفة يكون له ولد ونسل يفعلون كيت وكيت فقالوا: " أتجعل فيها من يفسد فيها " يريدون الولد وقد بينا أن الخليفة من يخلف من تقدمه، جماعة كانوا أو واحدا فلما أخبر الله تعالى الملائكة أنه يخلق في الأرض عباداهم آدم وولده ويكون خليفة لمن تقدمهم من الجن أو غيرهم، قالوا ما قالوا ويحتمل أن يكون قوله: " من يفسد فيها " يريدون البعض لا الكل كما يقال: بنو شيبان يقطعون الطريق ويراد بعضهم دون جميعهم وقوله: (ونحن نسح بحمدك ونقدس لك) والتسبيح هو التنزيه من السوء على وجه التعظيم وكل من عمل خيرا قصد به الله فقد سبح يقال: فرغت من سبحتي أي من صلاتي وقال سيبويه: معنى سبحان الله: براءة الله وتنزيه الله من السوء قال أعشى بني تغلب:
أقول - لما جاءني فخره -: * سبحان من علقمة الفاخر (1) أي براءة من علقمة الفاخر وهو مشتق من السبح الذي هو الذهاب قال الله تعالى: " إن لك في النهار سبحا طويلا " (2) ولا يجوز أن يسبح غير الله وإن كان منزها، لأنه صار علما في الدين على أعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه كما أن العبادة غاية في الشكر لا يستحقها سواه وقال ابن عباس وابن مسعود: " نحن نسبح بحمدك " بمعنى نصلي لك كما قال: " فلو لا انه كان من المسبحين " (3) أي من المصلين وقال مجاهد: معناه نعظمك بالحمد والشكر على