فعلى هذا الوجه قال قوم: إنما أخبروا بذلك عن ظنهم وتوهمهم، لان؟
رأوا الجن من قبلهم قد أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فتصوروا أنه؟؟
استخلف غيرهم، كانوا مثلهم، فقال تعالى منكرا لذلك: (إني اعلم مالا تعلمون) وهذا قول قتادة وابن عباس وابن مسعود وقال آخرون: إنهم قالوه يقينا لان الله كان أخبرهم انه يستخلف في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء فأجابوه بعد علمهم بذلك بأن قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) وإنما قالوه استعظاما لفعلهم أي كيف يفسدون فيها ويسفكون الدماء، وقد أنعمت عليهم واستخلفتهم فيها فقال: " إني اعلم ما لا تعلمون " وقال قوم: إنهم قالوا ذلك متعجبين من استخلافه لهم أي كيف يستخلفهم وقد علم أنهم " يفسدون فيها ويسفكون الدماء "؟ فقال: " إني اعلم ما لا تعلمون " والسفك: صب الدماء خاصة دون غيره من الماء، وجميع المايعات والسفح مثله لأنه مستعمل في جميع المايعات على وجه التضييع، ولذلك قالوا في الزنا انه سفاح لتضييع مائه فيه والملائكة المذكورون في الآية قال قوم: هم جميع الملائكة وقال آخرون وهو المروي عن ابن عباس والضحاك - إنه خطاب لمن اسكنه من الملائكة الأرض بعد الجان، وقبل خلق آدم، وهم الذين أجلوا الجان عن الأرض وقال قتادة في قوله: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " وقد علمت الملائكة من علم الله أنه لا شئ عند الله أكبر من سفك الدماء والافساد في الأرض قال الله تعالى:
" إني اعلم ما لا تعلمون " من أنه سيكون من الخليفة رسل وأنبياء، وقوم صالحون وساكنون الجنة وأقوى هذه الوجوه قول من قال: إن الملائكة إنما قالت:
" أتجعل فيها من يفسد فيها " على وجه التعجب من هذا التدبير، لا إنكارا له ولكن على وجه التألم والتوجع والاغتمام والاستعلام لوجه التدبير فيه، فقال:
" إني اعلم ما لا تعلمون " من الوجه المصلحة في خلقهم، وما يكون منهم من الخير والرشد والعلم، وحسن التدبير والحفظ، والطاعة ما لا تعلمون فان قيل: الملائكة