وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجزيه من حجة الاسلام وعليه بعد بلوغه حجة أخرى وكان من الحجة لهم عندنا على أهل المقالة الأولى أن هذا الحديث إنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن للصبي حجا وهذا مما قد أجمع الناس جميعا عليه ولم يختلفوا أن للصبي حجا كما أن له صلاة وليس تلك الصلاة بفريضة عليه فكذلك أيضا قد يجوز أن يكون له حج وليس ذلك الحج بفريضة عليه وإنما هذا الحديث حجة على من زعم أنه لاحج للصبي فأما من يقول إن له حجا وأنه غير فريضة فلم يخالف شيئا من هذا الحديث وإنما خالف تأويل مخالفة خاصة وهذا بن عباس رضي الله عنهما هو الذي روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قد صرف هو حج الصبي إلى غير الفريضة وأنه لا يجزيه بعد بلوغه من حجة الاسلام حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي السفر قال سمعت بن عباس يقول يا أيها الناس أسمعوني ما تقولون ولا تخرجوا تقولون قال بن عباس أيما غلام حج به أهله فمات فقد قضى حجة الاسلام فان أدرك فعليه الحج وأيما عبد حج به أهله فمات فقد قضى حجة الاسلام فإن أعتق فعليه الحج حدثنا محمد قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن يونس بن عبيد صاحب الحلي قال سألت بن عباس عن المملوك إذا حج ثم عتق بعد ذلك قال عليه الحج أيضا وعن الصبي يحج ثم يحتلم قال يحج أيضا وقد زعمتم أن من روى حديثا فهو أعلم بتأويله فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرنا في أول هذا الباب ثم قال هو ما قد ذكرنا فيجب على أصلكم أن يكون ذلك دليلا على معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فإن قال قائل فما الذي دل على أن ذلك الحج لا يجزيه من حجة الاسلام قلت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن الصغير حتى يكبر وقد ذكرت ذلك بأسانيده في غير هذا الموضع من هذا الكتاب ثبت أن القلم عن الصبي مرفوع ثبت أن الحج عليه غير مكتوب وقد أجمعوا أن صبيا لو دخل في وقت صلاة فصلاها ثم بلغ بعد ذلك في وقتها أن عليه أن يعيدها وهو في الحكم من لم يصلها فلما ثبت ذلك من اتفاقهم ثبت أن الحج كذلك وأنه إذا بلغ وقد حج قبل ذلك أنه في حكم من لم يحج وعليه أن يحج بعد ذلك
(٢٥٧)