وأجمعوا أن رجلا لو أصابه مرض أو زمانة فمنعه ذلك من القيام أنه قد سقط عنه فرض القيام وحل أن يصلي قاعدا يركع ويسجد إذا أطاق بذلك أو يومئ إن كان لا يطيق ذلك فرأينا ما أبيح له من هذا بالضرورة من العدو قد أبيح له بالضرورة من المرض ورأينا الرجل إذا حال العدو بينه وبين الماء سقط عنه فرض الوضوء ويتيمم ويصلي فكانت هذه الأشياء التي قد عذر فيها بالعدو قد عذر فيها أيضا بالمرض وكان الحال فذلك سواء ثم رأينا الحاج المحصر بالعدو قد عذر فجعل له في ذلك أن يفعل ما جعل للمحصر أن يفعل حتى يحل واختلفوا في المحصر بالمرض فالنظر على ما ذكرنا من ذلك أن يكون ما وجب له من العذر بالضرورة بالعدو يجب له أيضا بالضرورة بالمرض ويكون حكمه في ذلك سواه كما كان حكمه في ذلك أيضا سواء في الطهارات والصلوات ثم اختلف الناس بعد هذا في المحرم بعمرة يحصر بعدو أو بمرض فقال قوم يبعث بهدي ويواعدهم أن ينحروه عنه فإذا نحر حل وقال آخرون بل يقيم على إحرامه أبدا وليس لها وقت كوقت الحج وكان من الحجة للذين ذهبوا إلى أنه يحل منها بالهدي ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأول هذا الباب لما أحصر بعمرة زمن الحديبية حصرته كفار قريش فنحر الهدي وحل ولم ينتظر أن يذهب عنه الاحصار إذ كان لا وقت لها كوقت الحج بل جعل العذر في الاحصار بها كالعذر في الاحصار بالحج فثبت بذلك أن حكمها في الاحصار فيهما سواء وأنه يبعث الهدي حتى يحل به مما أحصر به منهما إلا أن عليه في العمرة قضاء عمرة مكان عمرته وعليه في الحجة حجة مكان حجته وعمرة لاخلاله وقد روينا في العمرة أنه قد يكون المحرم محصرا بها ما قد تقدم في هذا الباب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا أشياء قد فرضت على العباد مما جعل لها وقت خاص وأشياء فرضت عليهم مما جعل الدهر كله وقتالها منها الصلوات فرضت عليهم في أوقات خاصة تؤدى في تلك الأوقات بأسباب متقدمة لها من التطهر بالماء وستر العورة ومنها الصيام في كفارات الظهار وكفارات الصيام وكفارات القتل جعل ذلك على المظاهر والقاتل
(٢٥٣)