النووي في شرح مسلم قال العلماء إنما لم يقله النبي بيعته لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ولا لمن هاجر إلى النبي للمقام عنده أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه أو غيره قالوا وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي على المقام معه قال القاضي ويحتمل أن بيعة هذا الأعرابي كانت بعد فتح مكة وسقوط الهجرة عليه وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة منه فلم يقله والصحيح الأول انتهى (فخرج الأعرابي) أي من عند النبي (ثم جاءه) أي ثانيا (فخرج الأعرابي) أي من المدينة راجعا إلى البدو (إنما المدينة كالكير) قال في النهاية الكير بالكسر كير الحداد وهو المبني من الطين وقيل الزق الذي ينفخ به النار والمبني الكور انتهى (تنفي خبثها) بفتح المعجمة والموحدة هو ما تلقيه من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا والمعنى تطرد المدينة من لا خير فيه وتخرجه (وتنصع) من باب التفعيل والأفعال أي تخلص (طيبها) بالنصب على المفعولية وهو بفتح الطاء وتشديد التحتية جعل مثل المدينة وما يصيب ساكنيها من الجهد والبلاء كمثل الكير وما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أذكى ما كان وأخلص قال النووي في شرح مسلم قال القاضي الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيمانا وأما المنافقون وجهلة الأعراب فلا يصبرون على شدة المدينة ولا يحتسبون الأجر في ذلك كما قال ذلك الأعرابي الذي أصابه الوعك أقلني بيعتي هذا كلام القاضي وهذا الذي أدعي أنه الأظهر ليس بالأظهر لأن في هذا الحديث الأول في صحيح مسلم أنه قال لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد وهذا والله أعلم في زمن الدجال كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم في أواخر الكتاب في أحاديث الدجال أنه يقصد المدينة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله منها كل كافر منافق فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال ويحتمل أنه في أزمان متفرقة انتهى وقال ابن المنير ظاهر هذا الحديث ذم من خرج من المدينة وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد وكذا من بعدهم من الفضلاء والجواب أن المذموم من خرج عنها كراهة فيها ورغبة عنها كما فعل الأعرابي المذكور وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها
(٢٨٩)