المترجم له شامي الأصل ولد بقرية " جاسم " من قرى " الجيدور " من أعمال " دمشق " وإن أباه كان يقال له: ندوس (3) العطار فجعلوه أوسا، وفي دائرة المعارف الإسلامية: إن المترجم هو الذي بدله وكان أبوه نصرانيا. نشأ المترجم بمصر و في حداثته كان يسقي الماء في المسجد الجامع ثم جالس الأدباء فأخذ عنهم وتعلم منهم وكان فطنا فهما وكان يحب الشعر فلم يزل يعانيه حتى قال الشعر وأجاد، وشاع ذكره، وسار شعره، وبلغ المعتصم خبره فحمله إليه وهو بسر من رأى، فعمل أبو تمام فيه قصائد عدة وأجازه المعتصم وقدمه على شعراء وقته، وقدم إلى بغداد وتجول في العراق وإيران، ورآه محمد بن قدامة بقزوين، فجالس بها الأدباء وعاشر العلماء وكان موصوفا بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس.
قال الحسين بن إسحاق قلت للبحتري: الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام فقال: والله ما ينفعني هذا القول ولا يضر أبا تمام والله ما أكلت الخبز إلا به ولوددت إن الأمر كما قالوا ولكني والله تابع له لائذ به آخذ منه، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه. [تاريخ الخطيب 8 ص 248].
كان البحتري أول أمره في الشعر ونباهته فيه أنه سار إلى أبي تمام وهو بحمص فعرض عليه شعره وكانت الشعراء تقصده لذلك، فلما سمع شعر البحتري أقبل عليه وترك سائر الناس فلما تفرقوا قال له: أنت أشعر من أنشدني، فكيف حالك؟! فشكى إليه القلة. فكتب أبو تمام إلى أهل معرة النعمان وشهد له بالحذق وشفع له إليهم وقال له: امتدحهم. فسار إليهم فأكرموه بكتاب أبي تمام ووظفوا أربعة آلاف درهم فكانت أول مال أصابه ثم أقبل عليه أبو تمام يصف شعره ويمدحه فلزمه البحتري بعد ذلك، و قيل للبحتري: أنت أشعر أم أبو تمام؟! فقال: جيده خير من جيدي، ورديي خير من رديئه. وقيل: سئل أبو العلاء المعري: من أشعر الثلاثة؟! أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟!
فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري. وقيل: أنشد البحتري أبا تمام شيئا من شعره فقال له: أنت أمير الشعراء بعدي. قال البحتري: هذا القول أحب إلي من كل ما نلته.