عمرو: أما أنت يا عبد الله؟ فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد؟ فأمرتني بما هو خير لي في دنياي، وأنا ناظر فيه، فلما جنه الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه:
تطاول ليلي للهموم الطوارق * وخوف التي تجلو وجوه العوائق وإن ابن هند سائلي أن أزوره * وتلك التي فيها بنات البوائق أتاه جرير من علي بخطة * أمرت عليه العيش ذات مضائق فإن نال مني ما يؤمل رده * وإن لم ينله ذل ذل المطابق فوالله ما أدري وما كنت هكذا * أكون ومهما قادني فهو سائقي أخادعه إن الخداع دنية * أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق أم أقعد في بيتي وفي ذاك راحة * لشيخ يخاف الموت في كل شارق وقد قال عبد الله قولا تعلقت * به النفس إن لم تقتطعني عوائقي وخالفه فيه أخوه محمد * وإني لصلب العود عند الحقائق فقال عبد الله: رحل الشيخ. وفي لفظ اليعقوبي: بال الشيخ على عقبيه وباع دينه بدنياه: فلما أصبح دعا عمرو غلامه " وردان " وكان داهيا ماردا فقال: ارحل يا وردان؟ ثم قال: حط يا وردان؟ ثم قال: ارحل يا وردان؟ حط يا وردان؟ فقال له وردان: خلطت أبا عبد الله؟ أما إنك إن شئت أنبأتك بما في نفسك. قال: هات ويحك: قال: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا. ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض الآخرة، فأنت واقف بينهما. قال: فإنك والله ما أخطأت فما ترى يا وردان؟ قال:
أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك. قال الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية، فارتحل وهو يقول:
يا قاتل الله وردانا وفطنته * أبدى لعمرك ما في النفس وردان لما تعرضت الدنيا عرضت لها * بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان نفس تعف وأخرى الحرص يقلبها (1) والمرء يأكل تبنا وهو غرثان (2)