النصاب، كالهزبر الضرغام، الجرئ المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دنئ، لا كمن اختصم فيه من قريش شرارها، فغلب عليه جزارها، فأصبح ألأمها حسبا، وأدناها منصبا، ينوء منها بالذليل، ويأوي منها إلى القليل، مذبذب بين الحيين، كالساقط بين المهدين، لا المضطر فيهم عرفوه، ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي قدر تتعرض للرجال؟ وبأي حسب تعتد به تبارز عند النضال؟ أبنفسك؟ وأنت: الوغد اللئيم، والنكد الذميم، والوضيع الزنيم، أم بمن تنمي إليهم؟ وهم: أهل السفه و الطيش، والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهروا، ولا بقديم في الاسلام ذكروا، جعلت تتكلم بغير لسانك، وتنطق بالزور في غير أقرانك، والله لكان أبين للفضل، و أبعد للعدوان أن ينزلك معاوية منزلة البعيد السحيق، فإنه طالما سلس داؤك، و طمح بك رجاؤك إلى الغاية القصوى التي لم يخضر فيها رعيك، ولم يورق فيها غصنك.
فقال عبد الله بن جعفر: أقسمت عليك لما أمسكت فإنك عني ناضلت، ولي فاوضت.
فقال ابن عباس: دعني والعبد، فإنه قد يهدر خاليا إذ لا يجد مراميا، وقد أتيح له ضيغم شرس، للاقران مفترس، وللأرواح مختلس، فقال عمرو بن العاص: دعني يا أمير المؤمنين أنتصف منه فوالله ما ترك شيئا. قال ابن عباس: دعه فلا يبقي المبقي إلا على نفسه، فوالله إن قلبي لشديد، وإن جوابي لعتيد، وبالله الثقة، وأني لكما قال نابغة بني ذبيان:
وقدما قد قرعت وقارعوني * فما نزر الكلام ولا شجاني يصد الشاعر العراف عني * صدود البكر عن قرم هجان هذا الحديث أخرجه الجاحظ في (المحاسن والأضداد) ص 101، والبيهقي في (المحاسن والمساوي) 1 ص 68، وقد مر ص 125 عن ابن عساكر لعبد الله بن أبي سفيان نحوه، وفي بعض ألفاظه تصحيف يصحح بهذا.
13 - معاوية وعمرو لما علم معاوية أن الأمر لم يتم له إن لم يبايعه عمرو فقال له: يا عمرو؟ اتبعني.
قال. لماذا؟ للآخرة؟ فوالله ما معك آخرة، أم للدنيا؟ فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها. قال: فأنت شريكي فيها. قال: فاكتب لي مصر وكورها. فكتب له مصر وكورها.