الله من سؤال ذلك الرجل المؤمن، لكني أحمد الله على وقوع ذلك قبل البلوغ والتكاليف، فبقيت هناك كم من شهر ومضيت إلى شط يقال له: نهر عنتر، لأني سمعت أن به رجلا عالما وقد كان أخي المرحوم المغفور الفاضل الصالح الورع السيد نجم الدين يقرأ عنده.
فلما وصلت إليه لقيت أخي راجعا من عنده، فرجعت معه إلى قريتنا، ثم قصدت قرية يقال لها: شط بني أسد للقراءة على رجل عالم كان فيها، فبقيت هناك مدة مديدة، ثم رجعت إلى قريتنا، فمضى أخي المرحوم وكان أكبر مني إلى الحويزة، فقلت لوالدي:
اني أريد السفر إلى أخي إلى الحويزة لأجل طلب العلم، فأتى بي إلى شط سحاب وركبنا في سفينة وأتينا من طريق ضيق قد أحاط به القصب من الجانبين، وليس فيه متسع إلا للسفينة، وكان الوقت حارا، وهاج علينا من ذلك القصب بق كل واحدة منها مثل الزنبور، وأين ما لدغ ورم موضعه، ذلك الطريق اسمه طريق الشريف.
وفي ذلك الطريق الضيق رأينا جماعة من أهل الجاموس فقصدناهم وكنا جياعا، فخرجنا عليهم وقت العصر وفرش لنا صاحب البيت فراشا، فصار وقت المغرب، فلما صلينا صرنا في انتظار العشاء وما جاء لنا بشئ حتى أتى وقت النوم واشتد جوعنا وأخذنا النوم، فنمنا جياعا، فلما بقي من الليل بقية قليلة جاء صاحب البيت إلى قربنا وشرع ينادي جاموسه ويقول: يا صبغا ويا قرحاء هاي، فلما رفع صوته وسمعت الجاموس ذلك الصوت أقبلن إليه من بين القصب، فلما خرجن إليه سألت واحدا منهم ما يريد هذا الرجل من هذا الجاموس؟ فقال: يريد أن يحلبهن ويبرد الحليب ويطبخ لكم طعاما من الحليب والأرز، فقلت: انا لله وانا إليه راجعون، وأخذني النوم، فلما قرب الصباح أتى بقصعة كبيرة وأيقظنا، فلم نر على وجه تلك القصعة شيئا من الأرز، فمددنا أيدينا فيها إلى المرافق فوقعنا على حبات منه في قعر تلك الجفنة وشربنا من ذلك الحليب، ويا لها من ليلة ما أطولها وما كان أجوعنا فيها، خصوصا لما شربنا من هذا الحليب.
فركبنا بعد طلوع الشمس وأتينا إلى الحويزة، وقد كان أخي قبلي ضيفا عند رجل من أكابرها، ويقرأ في شرح الجامي عند رجل من أفاضلها، فتشاركنا في الدرس وبقينا نقرأ عنده في شرح الجاربردي على الشافية، وهذا الأستاذ أيضا - رحمه الله تعالى - قد استخدم علينا كثيرا، واسمه الشيخ حسن بن سبتي، وكان قد عين على كل واحد منا انا إذا أردنا قضاء الحاجة أو البول ومضينا إلى جرف الشط أن يأتي كل واحد منا معه