إلى المشاهد العالية، فقال: أنا أكون معك.
فسافرنا من طريق أصفهان، وفي أثناء الطريق وصلنا إلى كرمان شاه وتجاوزناها، وقمنا من منزل ونريد منزلا آخر وهو الهارونية بناها هارون الرشيد لعنه الله تعالى، فلما صعدنا الجبل أصابنا فوقه مطر وهواء بارد، وصار الصخر تزلق فيه الاقدام ولا يقدر يستمسك الراكب على الدابة من الهواء البارد وشدته والمطر، فشرعت أنا في قراءة آية الكرسي، فليس أحد من أهل القافلة إلا وقد سقط من الدابة وأنا بحمد الله وصلت إلى المنزل سالما.
فلما وصلنا المنزل كان فيه خان صغير وله حوش وليس فيه حجر، وإنما فيه طوايل للدواب ومرابطها، فأدخلنا أغراضنا والكتب إلى طويلة، ووضعنا فوق صفتها، فاتفق أن تلك الطوايل كان فيه أسماد كثير وقد عمد إليه بعض المترددين ووضع فيه النار لأجل أن يحترق ذلك السماد فما كان في تلك الطوايل إلا الدخان الخانق ومطرت السماء، فتحيرنا بين المطر والدخان، فكنا نقبض على خياشمنا، فإذا ضاقت أنفاسنا خرجنا من الطويلة إلى الحوش وتنفسنا ورجعنا، فكنا تلك الليلة وقوفا ليس لنا حاجة إلا الخروج للتنفس، ويا اخوان ما كان أطول تلك الليلة، فلما أصبح الصباح وطلعت الشمس وخرجنا إلى الحوش، وجاءنا أهل تلك القرية يبيعون علينا الخبز وغيره، فأتت الينا امرأة منهم وكان لها لحية طويلة نصفها بيضاء ونصفها سوداء فتعجبنا منها.
ثم اننا وصلنا إلى بعقوبا، فأودعنا كتبنا وأغراضنا لأهل القافلة، ومضينا نحن مع جماعة قليلة إلى سر من رأى، فلما عزلنا القافلة وسرنا فرسخا تقريبا لقينا رجل فقال لنا:
انكم تمضون واللصوص أمامكم في نهر الباشا، فترددنا في الرجوع والمضي، فصار العزم على المضي، فلما وصلنا إلى ذلك النهر طلعت علينا خيولهم فعدوا علينا، فقرأت آية الكرسي وأمرت أصحابي بقراءتها، فلما وصلوا الينا انفردوا عنا ناحية وكانوا يتفكرون، فرأيناهم جاؤوا الينا وقالوا لنا: قد ضللتم عن الطريق وكان الحال كما قالوا، فأرسلوا معنا رجلا منهم وسار معنا إلى قرب المنزل وهو القازاني استقبلنا جماعة من سادات سر من رأى لأجل أن يأخذونا، وكان آخر اختيارنا من أرواحنا وأموالنا أول وقوعنا بأيديهم، وكانت عندنا دواب، فقالوا: ينبغي أن تركبوا دوابنا لأجل الأجرة فركبنا دوابهم، فوصلنا إلى المشهد المبارك في الليل فنزلنا في بيت ذلك السيد، فأتت الينا امرأة بقبضة حطب