أكل منها ثمرة يجدها أمر من الصبر، وأنتن من الجيف، وأشد من الحديد، فإذا واقعت بطنه غلت في بطنه كغلي الحميم، فيذكرون ما كانوا يأكلون في دار الدنيا من طيب الطعام فبينا هم كذلك إذ تجذبهم الملائكة فيهوون دهرا في ظلم متراكبة، فإذا استقروا في النار سمع لهم صوت كصيح السمك على المقلى، (1) أو كقضيب القصب، ثم يرمي بنفسه من الشجرة في أودية مذابة من صفر من نار وأشد حرا من النار، تغلي بهم الأودية، ترمي بهم في سواحلها، ولها سواحل كسواحل بحركم هذا، فأبعدهم منها باع، والثاني ذراع، والثالث فتر (2) فيحمل عليهم هوام النار الحيات والعقارب كأمثال البغال الدلم، لكل عقرب ستون فقارا، في كل فقار قلة من سم، وحيات سود زرق أمثال البخاتي، فيتعلق بالرجل سبعون ألف حية، وسبعون ألف عقرب، ثم كب في النار سبعين ألف عام لا تحرقه قد اكتفى بسهمته (بسمها ظ) ثم تعلق على كل غصن من الزقوم سبعون ألف رجل ما ينحني ولا ينكسر، فيدخل النار من أدبارهم، فتطلع على الأفئدة، تقلص الشفاه، وتطير الجنان، وتنضج الجلود، وتذوب الشحوم، ويغضب الحي القيوم فيقول:
يا مالك قل لهم: ذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا، يا مالك سعر سعر فقد اشتد غضبي على من شتمني على عرشي، واستخف بحقي، وأنا الملك الجبار، فينادي مالك:
يا أهل الضلال والاستكبار والنعمة في دار الدنيا كيف تجدون مس سقر؟ قال:
فيقولون: قد أنضجت قلوبنا، وأكلت لحومنا، وحطمت عظامنا، فليس لنا مستغيث، ولا لنا معين، قال: فيقول مالك: وعزة ربي لا أزيدكم إلا عذابا، فيقولون: إن عذبنا ربنا لم يظلمنا شيئا، قال: فيقول مالك: فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير، يعني بعدا لأصحاب السعير، ثم يغضب الجبار فيقول: يا مالك سعر سعر، فيغضب مالك فيبعث عليهم سحابة سوداء يظل أهل النار كلهم، ثم يناديهم فيسمعها أولهم وآخرهم وأفضلهم وأدناهم، فيقول: ماذا تريدون أن أمطركم؟ فيقولون: الماء البارد