بلسان الحال أنهم الملقون بأنفسهم إلى دار النكال والأهوال، وأن باب القبول يغلق عن الكفار بالممات أبد الآبدين، وكان يقول لهم في أوقات كانوا في الحياة الدنيا من المكلفين بلسان الحال الواضح المبين: هب إنكم ما صدقتموني في هذا المقال، أما تجوزون أن أكون من الصادقين؟ فكيف أعرضتم عني، وشهدتم بتكذيبي وتكذيب من صدقني من المرسلين؟ وهلا تحرزتم من هذه الضرر المحذر الهائل؟ أما سمعتم بكثرة المرسلين، وتكرار الرسائل؟ ثم كرر جل جلاله مرافقتهم في النار بلسان المقال فقال: " ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون " فقالوا: " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " فيقفون أربعين سنة ذل الهوان لا يجابون، وفي عذاب النار لا يكلمون، ثم يجيبهم الله جل جلاله: " اخسؤا فيها ولا تكلمون " قال: فعند ذلك ييأسون من كل فرج وراحة، ويغلق أبواب جهنم عليهم، ويدوم لديهم مآتم الهلاك والشهيق والزفير والصراخ والنياحة.
64 - ومن الكتاب المذكور أن جبرئيل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله عند الزوال في ساعة لم يأته فيها وهو متغير اللون، وكان النبي صلى الله عليه وآله يسمع حسه وجرسه فلم يسمعه يومئذ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل مالك جئتني في ساعة لم تكن تجيئني فيها؟ وأرى لونك متغيرا، وكنت أسمع حسك وجرسك فلم أسمعه؟ فقال: إني جئت حين أمر الله بمنافخ (1) النار فوضعت على النار، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أخبرني عن النار يا جبرئيل حين خلقها الله تعالى، فقال: إنه سبحانه أوقد عليها ألف عام فاحمرت، ثم أوقد عليها ألف عام فابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام فاسودت، فهي سوداء مظلمة لا يضئ جمرها، ولا ينطفئ لهبها، والذي بعثك بالحق نبيا لو أن مثل خرق إبرة خرج منها على أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم، ولو أن رجلا دخل جهنم ثم اخرج منها لهلك أهل الأرض جميعا حين ينظرون إليه، لما يرون به، ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكره الله تعالى في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن آخرها، ولو أن بعض خزان جهنم التسعة