عدم تلذذهم بنعيمها في الآخرة (1) فإن قيل: إذا ارتفعت هممهم في الدنيا مع تشبثهم بعلائقها عن أن ينظروا مع محبة الله سبحانه وقربه إلى جنة ونار ففي الآخرة مع قطع علائقهم ودواعيهم وقوة أسباب المحبة والقرب أحرى أن لا ينظروا إليهما ولا يتلذذوا بشهوات الجنة وملاذها. قلت: للتلذذ بالمستلذات الجسمانية أيضا مراتب ودرجات بحسب اختلاف أحوال أهل الجنة: فمنهم من يتلذذ بها كالبهائم يرتعون في رياضها ويتمتعون بنعيمها كما كانوا في الدنيا من غير استلذاذ بقرب ووصال أو إدراك لمحبة وكمال، ومنهم من يتمتع بنعيمها من حيث إنها دار كرامة الله التي اختارها لأوليائه وأكرمهم بها وإنها محل رضوان الله تعالى وقربه، فمن كل ريحان يستنشقون نسيم لطفه، ومن كل فاكهة يذوقون طعم رحمته ولا يستلذون بالحور إلا لأنه أكرمهم بها الرب الغفور، ولا يسكنون في القصور إلا لأنه رضيها لهم المالك الشكور، فالجنة جنتان: روحانية وجسمانية، والجنة الجسمانية قالب للجنة الروحانية، فمن كان في الدنيا يقنع من العبادات والطاعات بجسد بلا روح ولا يعطيها حقها من المحبة والاخلاص
(٣٠٣)