جماعة أهل الإسلام لا ينازع فيه اثنان من نقلة الآثار، فالطاعنون على القوم ينقونه للحجة عليهم في ارتكاب الضلال، والمتولون لهم ينقونه على وجه المدح لهم بالاجتهاد في الأحكام ويجعلونه أصلا لمذاهبهم في تسويغ الاختلاف، ومن أبى الاجتهاد والقياس من القائلين بسلامة القوم ينقله عنهم على وجه الصلح في الأحكام والقول بمدلول الخطاب واختلاف وجوهه واحتماله في اللسان، فليس في الأمة إلا من يشهد بصحة ذلك على ما حكاه إبراهيم وغيره من أصحاب المقالات.
والذي حكاه عن أمير المؤمنين - عليه السلام - من اختلاف الأقوال وإظهار القول بالرأي شئ تفرد به فريق وأباه فريق، وادعته شيعة أبي بكر وعمر وعثمان، وأنكرته شيعة علي أمير المؤمنين - عليه السلام - كافة وأطبقوا على رده وتكذيب الرواة له، وأجمعت ذريته وعترته - عليهم السلام - على إنكار ذلك وإبطاله فكيف يكون المختلف فيه نظير المتفق عليه؟ أم كيف يتساوى الحكمان في ذلك والقول فيه على ما وصفناه؟ مع أن الاجماع من فرق أهل الخلاف ومن ذرية أمير المؤمنين - عليه السلام - وشيعته على نقيض ما تفرد به شيعة عثمان من الحكاية عن أمير المؤمنين - عليه السلام - في اختلاف الأحكام، وقد نقل ذلك عدو علي - عليه السلام - كما نقله وليه فكانت الحجة به دامغة لأهل الخلاف.
من ذلك إجماع الخاص والعام عن النبي (ص) أنه قال: " علي أقضاكم " وأقضى القوم لا يختلف قوله في الأحكام، وقال النبي (ص): " علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار " ومن كان الحق معه بشهادة رسول الله (ص) لم يرتكب الضلال، وقول أمير المؤمنين - عليه السلام -: " بعثني رسول الله (ص) إلى اليمن قاضيا بين أهله فقلت له: أتبعثني وأنا شاب ولا علم لي بكثير من القضاء فضرب بيده على