قال الجاحظ: وقال إبراهيم: وإنني لأعجب من قول عم " إني لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر " فإن كان عمر إنما تابعه لأن خلافه لا يجوز فقد خالفه في الجد مائة مرة، وفي أهل الردة وفي أمور كثيرة، وإن كان لم يقل ذلك لأن أبا بكر لا يخطئ ولكنه كان استبان له بعد أن الحق ما قال أبو بكر في الكلالة فإن كان ذلك كذلك فما وجه قوله: " إني لأستحي من الله عز وجل أن أخالف أبا بكر " وهذا قول لو قال به أبعد الناس كان عليه الاقرار به، على أن أبا بكر لم يعزم على ذلك القول وقد تبرأ إليهم منه.
قال الجاحظ: وقال إبراهيم: وكذلك كان ابن مسعود يعني في المناقضة والقول بالباطل في الدين، ألا تراه قال في حديث [بروع (1) ابنة واسق] " أقول فيها برأي فإن كان خطأ فمني وإن كان صوابا فمن الله عز وجل، لها صدقة نسائها ولا وكس ولا شطط " وهذا هو الحكم بالظن والقضاء بالشبهة، وإذا كانت الشهادة بالظن حراما فالحكم بالظن أعظم.
قال إبراهيم: ولو أن ابن مسعود أخذ نفسه بما أدب به غيره حيث يقول:
" الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك " واستعمل هذا الأدب لم يقل في الأحكام وهو رجل مقلد: " أقول فيها برأي فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي " وهذا كلام فاسد لأنه لا يكون عمل واحد واجتهاد واحد إذا وافق الحق كان من الله وإذا وافق الباطل كان من عند غير الله عز وجل وهو في الوجهين جميعا شئ واحد. وقال إبراهيم: ولو كان ابن مسعود بدل نظره في الفتيا بنظره في الشقي كيف شقي والسعيد كيف سعد حتى لا يفحش قوله على الله عز وجل فيما دان به في ذلك ولا يشتد غلطه، كان أولى به.